وأَمَّا قراءةُ العامَّةِ : (ولقد صَدَقَ (١) عَلَيْهم إبليسُ) ـ رفعٌ ـ (ظَنَّهُ) ـ نصبٌ ـ فَإنَّهُ كَانَ قَدَّرَ فيهم شَيئاً فبَلَغَهُ منهم ، فَصَدَقَ ما كان أودَعَهُ ظَنُّهُ في معناهُ. المعنيان مِنْ بَعْدُ مُتَراجِعانِ إلى موضع واحد ، لأَ نَّهُ قَدَّرَ تقديراً فَوَقَعَ ما كانَ مِن تقديرِهِ فيهم. و (عَلَى) متعلّقة بـ (صَدَقَ) كقولِك : صَدَقْتُ عليك فيَما ظننْتُهُ بِك ولا تكونُ متعلّقةً بالظنِّ ، لاستحالةِ جوازِ تقديمِ شيء من الصلةِ على الموصولِ. وذهب الفرّاءُ إلى أنَّهُ على معنى في ظَنّهِ (٢) ، وهذا تَمَحُّلٌ للإِعرابِ ، وَتَحَرُّفٌ عن المعنى.
أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ رَفَعَ (ظنّه) فإنَّمَا جَعَلَهُ فاعلاً؟ فكذلك إذا نصبَهُ جعلَهُ مَفْعُولاً على ما مضى.
وكذلك أيضاً من شَدَّدَ فَقَالَ : (صَدَّقَ) فنصب (الظنَّ) على أَنَّهُ مفعولٌ به (٣).
وقرأَ الحسن : (فَتأْتِيَهم بَغْتَةً) (٤) ، بالتَّاء.
قالَ أَبو الفتح : الفاعل المضمر الساعة. أَي : (فَتَأتيهم) الساعة (بغتةً) فَأَضمَرهَا لِدَلالة العذابِ الواقع فيها عليها ، ولكثرة مَا تَردَّدَ في القرآنِ مِنْ ذِكِر إثباتها (٥).
__________________
(١) قرأ ابنُ عباس وقتادة وطلحة والأَعمشُ وزيد بنُ عليّ (عليه السلام) وعاصم وحمزة والكسائي وخلف (صَدَّقَ) بتشديد الدَّال وقرأَ باقي السبعة بالتخفيف. البحر المحيط : ٧ / ٢٧٣ وإتحاف فضلاء البشر : ٢٢١.
(٢) معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٣٦٠.
(٣) المحتسب : ٢ / ١٩١.
(٤) من قوله تعالى من سورة الشعراء : ٢٦ / ٢٠٢ : (فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ).
(٥) المحتسب : ٢ / ١٣٣.