قال أَبو الفتح : ليسَ ينبغي أنْ يطلقَ على شيء لهُ وجهٌ من العربية قائم ـ وإِنْ كانَ غيرهُ أَقوى منه ـ أَنَّه غلط. وعلى الجملة فقد كثر عنهم تأنيثُ فعلِ المضافِ المذكّرِ إذا كانتْ إضافتُهُ إلى مؤنّث ، وكانَ المضافُ بعضَ المضافِ إليهِ أوْ مِنْهُ أوْ به. وأَنشدَنَا أَبو عليّ لابنِ مقبل :
قَدْ صَرَّحَ السيرُ عَنْ كُتْمَانَ وابْتُذِلَتْ |
|
وَقْعُ المحاجِنَ بالمَهريَّةِ الذُّقُنُ (١) |
فَأ نَّثَ (الوقع) وإنْ كانَ مُذَكَّراً لَمَّا كانَ مضافاً إِلى (المحاجِنِ) وَهيَ مُؤَنَّثَة ، إذ كانَ الوقع مِنْها. وَكَذلِك قول ذي الرمّة :
مَشِيْنَ كَما اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ |
|
أَعَاليَها مَرُّ الرِّيَاحِ النَّواسِمِ (٢) |
فَأَ نَّثَ (المَرّ) لإضافتِه إِلى الرِّياحِ وهي مُؤَنَّثة ، إِذ كان (المَرُّ) من الرِّيَاحِ ، ونظائر ذلك كثيرة جدّاً (٣) لا وجهَ للإِطالةِ بذكرِهَا.
فَهَذا وجه يشْهَدُ لتأنيثِ الإيمان إذْ كانَ من النفسِ وَبِهَا.
وإنْ شِئتَ حَمَلْتَهُ على تأنيثِ المُذَكَّرِ لمَّا كان يُعبَّر عنه بالمؤنَّثِ ، أَلا تَرَى إلى قولِ الله سبحانَهُ : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (٤) فَتَأنِيثُ المِثْل لأَ نَّهُ في المعنى
__________________
(١) كُتمان : اسم موضع أَو جبل. المَحَاجِن : العِصيُّ. المَهْرِيَّة : يريد بها الإبل المنسوبة إلى مَهرة إحدى قبائل اليمن. وفي الكلام قلَب ، أَي : ابتذلت المَهريَّة بوقع المحاجن عليها. انظر : معاني القرآن للفرّاء : ١ / ١٨٧ والخصائص : ٢ / ٤١٨ واللسان : ١٦ / ٤١٢.
(٢) رُوِي (رويداً) وكذلك (جَرَيْنَ) مَكَانَ (مَشِيْنَ) و (مرضي) مكان (مر) ، وتسفهت الريح الغصون حركتها واستخفتها. انظر : الديوان : ٦١٦ والكتاب : ١ / ٢٥ و ٣٢ والمقتضب : ٤ / ١٩٧ والخصائص : ٢ / ٤١٧ واللسان : ٣ / ٢٨٨ وشرح الشواهد للعيني : ٢ / ٢٤٨.
(٣) انظر : شواهد ذلك في الكتاب : ١ / ٢٥.
(٤) من قوله تعالى من سورة الأنعام : ٦ / ١٦٠ : (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).