أَمِرهِ رَغْبَةً بهِ عِنْ صورة الفَضْلَةِ وتحامياً لِنَصْبِهِ الدِّالَ عَلِى كونِ غيره صاحبَ الجملة ثم إنَّهُمْ لَمْ يِرضوا لَهُ بهذهِ المنزِلةِ حَتَّى صاغُوا الفِعْلَ لَهُ وَبَنَوه على أنَّهُ مَخصوصٌ بهِ وأَ لْغَوا ذِكُرَ الفاعلِ مُظهراً أَوْ مُضمَراً فَقَالوا : ضُرِبَ عمروٌ ، فَاطُّرِحَ ذِكُر الفاعِل البتة. نَعَمْ ، وأَسْنَدوا بعضَ الأَفعالِ إلى المفعولِ دونَ الفاعلِ البتةَ وَهْوَ قَولُهم : أُولِعتُ بالشيءِ وَلاَ يَقُولُونَ أَولعني بهِ كذا. وَقَالوا : ثُلِجَ فُؤادُ الرَّجلِ وَلَمْ يَقولُوا : ثَلَجَهُ كَذَا ، وامتُقِعَ لونُهُ وَلَمْ يَقُولُوا : امتقعه كذا.
ولهذا نظائر ، فرفضُ الفاعِل هُنَا البتة ، واعتمادُ المفعولِ به البتة دليلٌ على ما قُلنَاهُ فَاعرِفْهُ.
وأَظُنَّنِي سَمِعتُ : أَوْلَعنِي بهِ كذَا ، فإنْ كانَ كذلِك فَما أقلَّهُ أَيضاً! وهذا كُلُّهُ يَدُلُّ على شِدّةِ عِنَايَتِهم بالفضلةِ وإنَّما كانَتْ كذلِك لأَ نَّها تجلو الجملة ، وتجعلها تابعة المعنى لها.
أَلا تَرى أَنَّك إذَا قُلْتَ : رغبتُ في زيد أُفيدَ مِنْهُ إيثَارُك لَهُ ، وَعِنَايَتُك بهِ ، وَإِذَا قُلتْ : رَغبتُ عَنْ زيد ، أَفيْدُ منه إِطِّرَاحُك لَهُ وإعراضُك عَنْهُ ، وَرَغِبتُ فِي المَوْضِعينِ بلفظِ واحد ، والمَعْنَى مَا تَراهُ مِنْ استحالةِ مَعْنَى رغبتُ إلى مَعْنَى زَهدت ، وهذا الذي دعاهم إِلى تقديم الفضلاتِ في نحو قولِ اللهِ سبحانَهُ : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (١) وإنَّما موضع اللاّمِ التَأخِير ، وَلِذَلِك قَالَ سِيبوبه : إنَّ
__________________
هذا لأَنَّ وزنَ المرفوعِ والمنصوبِ واحدٌ ، ونُقِلَ عن هشام أَنَّهُ أَجاز زيدٌ ضربتُ في الاختيار.
هكذا نقل أَبو حيَّان ، ونقل ابنُ مالك عن البصريين الجوازَ في الاختيار وعن الكوفيين المنع إلاَّ في الشعر. همع الهوامع : ١ / ١٦٧.
(١) سورة الإخلاص : ١١٢ / ٤.