الجفاةَ مِمَّنْ لاَ يعلمُ كيفَ هِيَ في المُصحفِ يَقْرَؤُهَا : (وَلَمْ يَكْنْ كُفُواً لَهُ أَحَد) (١).
فَإنْ قُلْتَ : فَقَدْ قَالُوا : زيداً ضربتُهُ فَنَصَبُوهُ وإِنْ كَانُوا قَدْ أَعادُوا عليهِ ضميراً يشغل الفعلَ بَعْدَهُ عَنْهُ حَتَّى أَضْمَرُوا لَهُ فِعْلاً يَنْصِبُهُ ، وَمَعَ هَذَا فالرفُعُ فيه أَقْوى وأَعرب ، وهذا ضد ما ذكرته من جعلهم إِيَّاهُ رَبَّ الجملة ومبتدأها في قَوْلِهِم : زيدٌ ضربته.
قِيلَ : هذا وإن كَانَ عَلى مَا ذَكَرتَهُ فإنَّ فيهِ غَرَضاً مِن موضع آخر ، وَذَلِك أنَّهُ إِذَا نُصِبَ على ما ذكرتَ فَإنَّهُ لاَ يُعدَمُ دليلَ العنايةِ بهِ ، وهو تقديمُهُ في اللفظ منصوباً ، وهذه صورةُ انتصابِ الفضلةِ مقدمةً لِتَدُلَّ على قوّة العناية به ، لا سيّما والفعل الناصب له لا يظهر أَبداً مع تفسيرهِ فصارَ كَأَنَّ هذا الفعلَ الظاهرَ هو الذي نصبَهُ ، وكذلك يقولَ الكوفيون أيضاً.
فِإذا ثَبَتَ بِهَذا كلِّهِ قوّةُ عنايتِهِم بالفضلةِ حَتَّى أَلغوا حديثَ الفاعِلِ معها ، وَبنَوا الفعلَ لِمفعولهِ ، فَقَالُوا : ضُرِبَ زَيْدٌ حَسُنَ قَولَهُ تعالى : (وَعُلِّمَ آدِمُ الأسمَاءَ كُلَّهَا) (٢) لَمَّا كَانَ الغرضُ فيهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَها وَعَلِمَها ، وآنَسَ أيضاً علمُ المُخاطَبينَ بأَنَّ الله سُبَحانه هو الذي عَلَّمَهُ إيَّاهَا بقراءة من قرأ (٣) (وَعَلَّمَ آدمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (٤) وَنَحْوَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (إِنَّ الاِْنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (٥) ، وقوله
__________________
(١) انظر : الكتاب : ١ / ٢٧.
(٢) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٣١ : (وَعَلَّمَ آدمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا).
(٣) هي قراءة الجمهور المثبتة في المصحف الإمام.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٣١.
(٥) سورة المعارج : ٧٠ / ١٩.