وقد عَلَّلَ أبو عمرو الداني (ت / ٤٤٤ هـ) ذلك بِأَنَّ عثمانَ لمَّا جمَعَ القرآنَ في المصاحفِ ونسخَها على صورة واحدة فَرَّقَ الحروفَ المختلفةُ في المصاحفِ لكي تحفظَها الأُمّة كَما نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللهِ (١) وكيفَ يكونُ اختلافُ المصاحفِ سبباً لاختلافِ القراءةِ ، والقراءةُ أَسبقُ مِنْ نسخِ المصاحفِ العثمانيةِ؟ فلا يمكن أَنْ يكون نسخُ المصاحفِ علّةً لاختلافِ القراءاتِ بلِ العكس. وَلِهذا يُقَالُ : إِنَّ «أَسبَابَ اختلافِ المصاحفِ العثمانية فيما بينَها يرجعُ في الأغلبِ إلى القراءاتِ» (٢).
٥ ـ وَيعُدُّ المستشرقُ آرثر جفري (٣) أنَّ مِنْ أَسباب اختلاف القراءةِ هو اعتمادُ مصاحفِ الصحابةِ (٤) غير المصحف العثماني.
ولا إِشكالَ في أنَّ الصحابةَ كانوا قد كتبوا مصاحفَ لَهُم خاصّة ومصحف عثمان يخالفُها بعَض المخالفة (٥) وهو الذي جمع عثمان الناس عليه ، وأمر بكلّ ماسواه أنْ يُحرَقَ (٦) ، وقد كانَ بعضُ الصحابةِ يكتبُ التفسيرَ في مصحفهِ مع الأصلِ (٧) ، فليَس كُلُّ مافي مصاحفِ الصحابةِ قرآناً. إِنَّما القرآنُ هُوَ المنزلُ على رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة (٨).
__________________
(١) المقنع : ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٢) القراءات واللهجات : ١١٢.
(٣) المصاحف : (المقدّمة) : ٧.
(٤) انظر : ما كتبه الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه تاريخ القرآن : ١٢٥ عن آرثر جفري وغيره من المستشرقين.
(٥) القراءات واللهجات : ٩٧.
(٦) النشر : ١ / ٧.
(٧) النشر : ١ / ٣١.
(٨) القراءات واللهجات : ٩٩.