قال أَبو الفتح : أيْ : قَلَّ بنو عَمّي وَأَهْلي ، وَمَعْنَى قولهِ ـ واللهُ أَعلم ـ (مِنْ وَرائي) ، أَيْ : مَنْ أُخلِّفه بَعْدِي.
قَوْلُهُ (مِنْ وَرَائِي) حالٌ متوقعة محكية ، أَيْ : خَفُّوا مُتَوَقَّعَا مُتَصَوَّراً كَوْنُهُمْ بَعْدي. ومثله مسألةُ الكتابِ : مررتُ برجل مَعَه صَقْرٌ صائداً (١) ، أيْ : مُتَصَوَّراً صَيْدُهُ بِه غداً ، وَمْثِلُهُ قولُ اللهِ تعالى : (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) (٢) أَيْ : مُتَصَوَّراً خلودُهم فيها مدّة دوام السَّماواتِ والأرضِ. فَإذَا أشفقت من ذلك فارزقني وَلَداً يَخلُفني (٣).
وَقَرأَ الزُّهْرِي والحَسن والأعرج : (تُنْبِتُ) (٤) ، بِرَفْعِ التاءِ ونصبِ الباءِ.
قَالَ أَبو الفتح : الباء هُنا في مَعْنَى الحالِ ، أيْ : تُنْبِتُ وَفَيهَا دُهْنُهَا ، فَهو كقولِك : خَرَجَ بثيابِه ، أَيْ : وثيابُهُ عليهِ ، وسار الأمير في غلمانِهِ أيْ وغلمانُهُ مَعَهُ ، وكأَ نَّهُ قَالَ : خَرَجَ لابساً ثيابَهُ وسَارَ مُسْتَصْحِباً غلمانَهُ وَكَذَلِك قَوْلُ الهُذَليّ :
يَعْثُرْنَ فِي حَدّ الظُّباتِ كَأَ نَّما |
|
كُسِيَتْ برودَ بِنَي تَزيدَ الأذْرُعُ (٥) |
أيْ : يَعْثُرْنَ كَابِيَات فِي حَدّ الظُّبَاتِ ، أوْ مَجْرُرات فِي حَدِّ الظُّبَاتِ.
__________________
(١) عبارة سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٤١ (مررت برجل معه صقر صائداً به).
(٢) سورة هود : ١١ / ١٠٧ و ١٠٨.
(٣) المحتسب : ٢ / ٨٧.
(٤) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٢٠ : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغ لِّلآكِلِينَ).
(٥) البيتُ لأبي ذؤيب الهُذَلي. ويروى (علق النجيع) مكان (حد الظبات) و (أبي يزيد) مكان (بَني تزيد). انظر : ديوان الهذليين : ١ / ١٠ والخصائص : ٢ / ٣١٤ والمنصف : ١ / ٢٧٩ والمحتسب : ٢ / ٨٨.