خبرا والأخبار توصف لَكنَّ الصّفَاتُ عِنَدنَا لاَ توصف.
وإن شِئتَ يَكُونَ (حثيثاً) حالاً من الضميرِ في يَطْلِبُهُ وفيهِ مِنْ بَعْدِ هذا ما أذكُرُهُ. وذلك أَنَّ الفاعلَ في المعنى من أَحَدِ المَفعُولَينِ في قراءِةِ الجماعة هو الليلُ ، لاَِ نَّهُ المفعول الأوّل ، كَقَوْلِك : أَعطيتُ زَيْداً عمراً ، فزيدٌ هو الآخذُ وعمرو هو المأخوذ ، وأَغشيتُ جعفراً خالداً ، فالغاشي جعفر والمَغشيُّ هو خَالِدٌ ، والفاعِل في قراءة حُميد هو النهار لاِ نَّهُ مَرفُوعٌ (يَغشَى الليلَ النهارُ) فالفاعِلانِ والمَفْعُولانِ جميعاً مختلفانِ عَلى مَا تَرى ووجه صحةِ القراءتينِ جميعاً والتقاءُ معنييهما أنَّ الليلَ والنهارَ يتعاقبانِ وَكُلَّ واحد مِنْهُما وإنْ أزالَ صاحِبَه فَإنَّ صاحِبَهُ أيضاً مُزيلْ لَهُ ، فكلُّ واحد مِنهُمَا عَلَى هذا فاعلٌ ، وإنْ كانَ مَفعولاً ومفعولٌ وإنْ كَان فَاعلاً. على أنَّ الظاهر في الاستحثاثِ هنا إنَّما هو النَّهارُ ، لأَ نّهُ بسفورهِ وشروقِهِ قَد أَظهَرَ أَثراً في الاستحثاثِ من الليلِ.
وَبَعْدُ ، فَلَيْسَ النهارُ إلاّ ضوءَ الشمسِ والشمسُ كائِنَةٌ محدثه ولا ضوءَ قَبْلَ أنْ يَخلِقَهَا اللهُ جَلَّ وَعَزَّ فالضوءُ إذاً هو الهاجِمُ عَلَى الظُّلمَةِ ، وَيَطلبِهُ حَثيثاً عَلَى هذا الحالِ مِنَ النَّهارِ لأَ نَّهُ هُوَ الحالُ مِنهُمَا.
ويجوزُ في قراءةِ الجماعةِ أَنْ يَكونَ يطلبهُ حالاً مِنَ النهارِ ، وإنْ كَانَ مفْعُولاً ، كَقَوْلِك : ضَرَبتْ هِنْدٌ زيداً مؤلمةً لَهُ ، فقد يكونُ مؤلمةً حالاً لزيد ، كَمَا قَدْ يجوزُ أنَ يَكُونَ حالاً مِنْ هِنْد ، وَذَلك أنَّ لِكُلّ واحد مِنهُمَا في الحالِ ضميراً ، وَمِثْلُهُ قولُ اللهِ تَعالَى : (فَأَتَتْ بهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) (١) فَقَد يجوزُ أَنْ يَكُونَ (تَحْمِلُهُ) حالاً مِنْهَا وَيَجَوزُ أَنْ يَكُونَ حالاً مِنْهُ ، وَقَدْ يَجُوزُ أيضاً أَنْ يَكُونَ
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٢٧.