مَا أَنْشَدَنَا أَبو علي :
أم كَيْفَ يَنْفَعُ مَا تُعْطِي العَلُوقُ بِهِ |
|
رِئْمانَ أَنف إذَا ما ضُنّ بِاللَّبَنِ (١) |
أَلْحَقَ البَاءَ فِي بهِ لَمَّا كَانَ تُعُطِي فِي مَعْنَى تَسمَّحَ بهِ ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ فِي آخِرِ البَيْتِ : إذا مَا ضُنَّ بِاللَّبَنِ؟ فالضَّنُ نَقيضُ السَّماحَة والبَذل (٢) وَقَرَأَ الحسَن وأَبو الحُويِرِثِ الحَنَفِي : (مَا هَذَا بِشِرىً) (٣) بِكَسرِ الباءِ والشّين.
قَالَ أَبو الفتح : تَحْتَمِلُ هَذِهِ الِقَراءَةُ وَجْهَينِ :
أَحَدُهُمَا : أنْ يَكُونَ أَرادَ مَا هَذا بَشْرِيّ ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَن بَخْس) (٤) ، أَيْ : بَاعُوهُ ، أيْ : مَا يَنبَغِي لِمِثْلِ هَذَا أَنْ يُباعَ فَوَضَعَ المَصدَرَ مَوْضِعَ اسمِ المَفْعُولِ ، كَقَولِ اللهِ سُبْحَانَهُ : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) (٥) ، أيْ : مَصِيدُهُ ، وَكَقْوْلِهِ تَعَالَى : (وَهْوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلقَ ثُّم يعِيدُهُ) (٦) ، أيْ : الَمخْلَوقُ ، وَكَقُولِ النبيُّ صلّى الله عليه وآله : (الرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ) ، أيْ : فِي مَوْهِبَتِهِ ، وَهَذَا الثوبُ نَسِيجُالَيمَنْ ، أيْ : مَنْسُوجُهُ ، وَذَلك أَنَّ الأَفْعَالَ لا يُمْكنُنَا إعادَتُهَا. ومِنهُ قَوْلُهُمْ : غَفَرَ اللهُ لَك عَلْمَهُ فِيك ، أيْ : مَعْلُومَهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : هَذَا الدّرْهَمُ ضَرْبُ الأَميرِ ،
__________________
(١) البيت لأفنون التغلبي ويروى (تأتي) مكان (تعطي). انظر : شرح المفصل : ٤ / ١٨ واللسان : ١٢ / ١٤٠ و ١٥ / ١١٤ والمغني : ١ / ٤٥ والهمع : ٢ / ٣٣ وخزانة الأدب ـ بولاق ـ ٤ / ٤٥٥ و ٥١٩ والدرر اللوامع : ٢ / ١٧٩.
(٢) المحتسب : ١ / ٢٣٥.
(٣) مِنْ قَولِهِ تَعَالَى مِنْ سورة يوسف : ١٢ / ٣١ : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيْمٌ).
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ٢٠ وَبَعْدَهَا : (دَرَاهِمَ مَعدُوَدَة وَكَانُوا فِيْهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ).
(٥) سورة المائدة : ٥ / ٩٦.
(٦) سورة الروم : ٣٠ / ٢٧.