أيْ : مَضرُوبُهُ.
والآخر : أنْ تَكونَ الباءُ غَيرَ زائدة للتوكيدِ عَلَى الوجهِ الأوَّلِ لَكنّهَا كَالَّتِي فِي قَولِك : هَذا الثوبُ بمائِة دِرْهَم ، وَهَذَا العَبْدُ بِأَ لْفِ دِرهَم ، أَيْ : هَذَا بِهَذَا ، فيكونُ مَعْنَاهُ : مَا هَذَا بِثَمَن ، أَيْ : مِثْلُهُ لاَ يُقَوَّمُ وَلاَ يُثَمَّنُ فَيَكُونُ (الشرِيُّ) هُنَا يُرادُ بِهِ المفْعُولُ بِهِ ، أَيْ : الَّثمَنُ المُشْتَرَى بِهِ ، كَقَوْلِك : مَا هَذَا بِأَ لْف ، وَهْوَ نَفْيُ قَوْلِك هَذَا بأَلفْ ، فَالباءُ إذاً مُتَعَلِّقُةٌ بِمَحْذُف هُوَ الخبرُ ، مَثَلُهَا كَقَوْلِك : كُرُّ (١) البُرّ بِسِتّينَ ، وَمَنَوا السَّمْنِ بِدِرْهَم (٢).
وَقَرَأَ أَبو جعفر يزيد : (يُذْهِبُ) (٣) بِضَمّ الياء.
قَالَ أَبو الفتح : الباءُ زَائدةٌ ، أَيْ : يُذْهِبُ الأَبْصَارَ وَمِثْلُهُ فِي زِيادَةِ الباءِ فِي نَحْوِ هَذَا قَوْلُهُ : (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيِكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ) (٤). وَقَولُ الهُذَلِي :
شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثم تَرَفَّعَتْ |
|
مَتَى لُجَج خُضْر لَهُنَّ نَئيِـجُ (٥) |
أيْ : شَرِبْنَ مَاءَ البَحْرِ ، وَإنْ كَانَ قَدْ قِيلَ : إنَّ الباءَ هُنا بِمَعْنَى في ، أَيْ : في لجج البحر ، وَالمَفْعُول مَحْذُوف ، مَعْنَاهُ شَرِبْنَ الماءَ في جملةِ ماءِ البحرِ ، وفي هَذَا التأويلِ ضربٌ من الإِطَالة والبُعْدِ ، وأَعْلَمُ مِنْ بَعدُ أَنَّ هَذَهِ الباء إِنَّما تُزادُ
__________________
(١) الكُرُّ : مِكيال لأهلِ العِراق. تنظر : ص : ١٥٩ الحاشية الأولى.
(٢) المحتسب : ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.
(٣) من قوله تعالى من سورة النور : ٢٤ / ٤٣ : (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاَْبْصَارِ).
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٩٥.
(٥) البيت لأبي كبير الهذلي ، ويروى (ترَوَّتْ) مكان (شَرِبْنَ) و (تنصَّبَتْ) مكان (ترَفَّعَتْ) و (على حبشيات) مكان (متى لجج). والبيت في وصف السحاب ، ومتى حرف جرّ بلغة هذيل. انظر : ديوان الهذليين : ١ / ٥١ وتهذيب اللغة : ١٤ / ٣٤٥ والخصائص : ٢ / ٨٥ وسر صناعة الإعراب : ١ / ١٥٢ والجنى الداني : ١٠٧ وشرح ابن عقيل : ٢ / ٦ والبحر : ٨ / ٣٩٥.