قَالَ أَبو الفتح : إذا نصبَ فالتوبةُ داخلةٌ في جوابِ الشَّرُطِ مَعْنىً ، وَإذَا رَفَعَ كَقَرِاءَةِ الجماعةِ فَقالَ : (ويتوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) فَهْوَ اسئناف ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ) (١) فَهْوَ كقولِكَ : إنْ تَزُرْنِي أُحْسِنُ إليَكَ وأُعطيَ زيداً درهماً فتنصبُهُ على إضمارِ أَنْ ، أي : إنْ تَزُرْنِي أَجْمَعْ بينَ الإِحسانِ إليكَ والإِعطاءِ لِزيد.
وَالوَجْهُ قِرَاءَةُ الجَمَاعة عَلَى الاستئنافِ ، لاَِ نَّهُ تَمَّ الكلامُ عَلَى قولِهِ تَعَالى : (وَيُذْهِبُ غَيظَ قُلوبِهِم) ثُمَّ استَأ نَفَ فَقَالَ : (ويَتوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) فالتوبةُ مِنْهُ سبحانَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ لَيْسَتْ مسبّبة عن قتالهم ، هذا هو الظاهر ، لاَِنَّ هذهِ حالٌ موجودةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى قاتَلُوهم أَوْ لَمْ يُقَاتِلوهم ، فَلاَ وَجْهَ لتعليقها بقاتِلُوهُمْ. فَإنْ ذَهَبْتَ تعلّق هذه التوبة بقتالهم إيّاهُم كَانَ فيهِ ضربٌ من التَّعَسُّفِ بالمَعْنَى (٢).
رَوى الحَلَوانِي ، عَنْ قَالُونَ عَنْ شيبةَ : (أَوْ آوِيَ) (٣) بفتح الياءِ. وروى أَيْضاً عَنْ أَبِي جعفر مِثْلَهُ.
قَالَ ابنُ مُجَاهد : ولا يجوزُ تحريك الياءِ هَا هُنَا.
__________________
وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
(١) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١٤ ـ ١٥ : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
(٢) المحتسب : ١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
(٣) من قوله تعالى من سورة هود : ١١ / ٨٠ : (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْن شَدِيد).