وَقَرَأ الحَسَن : (أَلَـمَّـا يَأَنِ لِلَّذِينَ) (١) مُثَقَّلة.
قَالَ أَبو الفتح : أَصْلُ (لَمَّا) لَمْ ، زِيدَ عَلَيْهَا مَا (٢) ، فَصَارَتْ نفياً لقولِهِ : قَدْ كَانَ كَذَا ، وَ (لَمْ) نَفْيُ فَعَلَ. تَقُولُ : قَامَ زيد ، فيقولُ الُمجيبُ بِالنَّفِي : لَمْ يَقُمْ. فَإنْ قَالَ : قَدْ قَامَ. قُلْتَ : لَمَّا يَقُمْ ، لَمَّا زَادَ فِي الإثباتِ (قَدْ) زَادَ فِي النَّفِي (مَا) ، إِلاَّ أَنَّهَم لَمَّا ركبوا (لَمْ) مَعَ (مَا) حَدَثَ لَهَا مَعْنَى وَلَفظٌ.
أَمَّا المَعْنَى فإِنَّهَا صارتْ في بعض المواضع ظرفاً ، فقالوا : لَمَّا قمتَ قام زيدٌ ، أي : وقت قيامِكَ قامَ زيدٌ.
وَأَمَّا اللَّفْظُ فَلاَِ نَّها جَازَ أَنْ يَقفَ عَلَيْهَا دون مَجْزُومِهَا. كَقَولِكَ : جِئْتَ وَلَمَّا ، أَيْ : وَلَمَّا تجئ. وَلَوْ قُلْتَ : جِئْتَ وَلَمْ ، لَمْ يَجُزْ.
فَإنْ قُلْتَ : فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَصْل لَـمَّـا ـ عَلَى مَا وَصَفْتَ ـ (لَمْ) و (مَا) وَهُمَا حرفانِ ، وَأَمَّا الظرفُ ، فاسمٌ ، فكيفَ جازَ للحرفِ أنْ يستحيلَ فيصير اسماً؟ قِيلَ : كَمَا استحالَ الاسمُ لمَّا رُكِّبَ مَعَ الحرفِ ، فَاعتُدَّ مجموعهما حرفاً في قَوْلِهِم : إذْ مَا تَقُمْ أَقَمْ. أَلا تَرَى أَنَّ سِيبَويه (٣) ذكر (إذْ مَا) في الحرفِ وَقَرنَهَا بِـ (إِنّ) فِي الشَّرْطِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ التركيبَ يُحدِثُ لِلمُرَكَّبَينِ حُكماً مُسْتَأَنَفاً ، ويخلقُهُ خَلْقاً مُرْتَجَلاً.
أَلاَ تَرَى إلى قَوْلِهِم : بَأبَأتُ الصبي : إذَا قُلْتُ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ والبَاءُ في أَوَّلِهِ مَزِيدَةٌ للجرّ ، والثانية أَيضاً قَدْ يُمْكنُ أَنْ تَكونَ للجرِّ كمُرِّرَتْ إِلاَّ أَنَّكَ إذَا مَثَّلْتَ
__________________
(١) من قوله تعالى من سورة الحديد : ٥٧ / ١٦ : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ).
(٢) تنظر : ص : ٥١٤. الحاشية (٥).
(٣) الكتاب : ١ / ٤٣٢.