هو الحاضر المخاطب ، فلمَّا حُذِفَ حرفُ المضارعة بقِيَ ما بعدَهُ في أكثرِ الأمرِ ساكناً فاحتيجَ إلى همزةِ الوَصلِ ليقعَ الابتداءُ بِهَا فَقِيلَ : اضربْ ، اذهبْ ونحوَ ذَلِكَ.
فَإنْ قِيلَ : وَلِمَ كَانَ أَمْرُ الحاضِرِ أَكْثَرَ حَتَّى دَعَتِ الحالُ إلَى تخفيفهِ لكثرتِهِ؟ قِيلَ : لاَِنَّ الغائبَ بعيدٌ عَنْكَ فَإذَا أَردْتَ أَنْ تَأْمُرَهُ احتجتَ إلى أَنْ تَأْمُرَ الحَاضِرَ لِتُؤَدّي إليهِ أَنَّكَ تَأْمرُهُ ، فَقُلْتَ : يَا زَيدُ قُلْ لِعَمرو : قُمْ. وَيَا محمّد ، قُلْ لِجَعفر : اذهبْ ، فَلاَ تَصِلُ إلَى أَمرِ الغَائِبِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَأْمُرَ الحاضِرَ أَنْ يؤدِّيَ إليهِ أَمرَكَ إيَّاهُ ، والحَاضِرُ لاَ يَحْتَاجُ إلى ذَلِكَ لاَِنَّ خِطَابَكَ إيَّاهُ قَدْ أَغْنَى عَنْ تَكْليفِكَ غَيْرَهُ أَنْ يَتحَمَّلَ إليهِ أَمْرَكَ لَهُ.
وَيَدُلُّك عَلَى تَمَكّنِ أَمْرِ الحَاضِرِ أَنَّكَ لاَ تَأْمرُ الغائِبَ بالأَسماءِ المُسَمَّي بِهَا الفِعْلُ فِي الأَمر نَحوَ : صَه ، وَمَه ، وَإِيه ، وإِيهاً وَحَيَّهلْ وَدُونَكَ وَعِنْدَكَ وَنَحوَ ذَلِكَ وَلاَ تَقُول : دُونَهُ زيداً وَلاَ عَلَيهِ جعفراً كَقَوْلِكَ : دُونَكَ زيداً وَعَليكَ سعداً ، وَقَدْ شَذَّ حرفٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا : عَلِيهِ رَجُلاً لَيْسَنِي (١) ، وَلِهذَا المَعْنَى قَوِي ضَمِيرُ الحَاضِر عَلَى ضَمِيرِ الغَائِبِ فقالوا : أَنْتَ وَهُوَ فَلَمَّا صاغُوا لَهُمَا اسماً وَاحِداً صَاغُوهُ عَلَى لفظِ الحُضُورِ لاَ لَفْظِ الغَيْبةِ فَقَالُوا : أَنْـتُـمـا ، فَضَمُّوا الغَائِبَ
__________________
تريد إصْغَارَهُم وإرْغَامَهُم ، فَتُؤكِّد ذَلِكَ بالتَّاءِ) ، وكما سيرد بعد قليل في آخر كلامِهِ عن هذهِ القراءةِ ، لذلك لم ترد منسوبة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عند الإمامية ولم يقبلها الشيخ الطوسي وانتقدها وروى أنَّ الكسائي كان يراها معيبة كما في : معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٦٩.
(١) وَقَد سُمِعَ اسمُ الفِعلِ مَعَ غيرِ ضميرِ المُخَاطب شُذوذاً نحو (عليه رجلاً غَيري) أي لِيلزمه و (عَلَيَّ الشيءَ) أي : لأَلزمه. انظر : محاضرات أُستاذنا علي النجدي ناصف في طلاب الماجستير قسم النحو والصرف والعروض ـ كلية دار العلوم ـ ٩٧٥ ـ ٩٧٦ صفحة ٢٨.