الشَّكُّ البتةَ. أَلاَ تَرَى إلى قَوْلِهِ تَعَالَى : (إنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ لاَ ريبَ فِيها) (١) وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ الآي القَاطِعَة بإتيانِهَا؟ قِيلَ : لفظ الشَّكِّ مِنَ اللهِ (سبحانَه) ، وَمَعْنَاهُ مِنّا ، أَيْ : إنْ شَكّوا في مجيئها بغتة فَقَدْ جَاءَ أشراطُها ، أَيْ : أَعلامُها ، فهلا توقعوها وَتَأَهبوا لوقوعها معَ دواعيالعلمِ بذلكَ لَهُمْ إلى حالِ وقوعِهِا.
فَنَظِيرهُ مِمَّا اللفظُ فِيهِ مِنْ اللهِ تعالى ، وَمَعْنَاهُ مِنَّا ، قُوْلُهُ تَعَالى : (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ) (٢) أيْ : يَزِيدُونَ عِنْدَكُمْ أَنْتُم ، لاَِ نَّكُم لَوْ رأَيْتُم جَمْعَهُم لَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : هؤلاءِ مَئةُ أَلْف أَوْ يَزيِدُونَ (٣).
روى الحُلْوَانِيُّ عَنْ أَبي مَعْمَر عَنْ عَبِد الوارثِ عَنْ أَبِي عمرو : (وَيُخْرِجُ أَضْغَانَكُمْ) (٤) مَرْفُوعةَ الجيم.
قالَ أَبو الفتح : هو من القطع تقديره : (إنْ يَسْأَ لْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) تَمَّ الكلام هنا ثمَّ استأنف فقال : وهو (يُخْرِجُ أَضْغَانَكُمْ) على كلّ حال ، أي : هذا مِمَّا يصحُّ فيه ، فاحذرُوهُ أَنْ يَتُمَّ منهُ عليكُم ، فهو راجعٌ بالمعنى إلى معنى الجزم.
وهذا كقولك : إذا زرتني فأنا مِمَّنْ يُحْسِنُ إِليكَ ، أي : فحريٌّ بي أَنْ أُحسِنَ إليكَ. وَلَوْ جاءَ بالفعلِ مُصَارِحاً بهِ فَقَالَ : إِذَا زُرْتَنِي أَحسنْتُ إِلَيْكَ لَمْ يَكُنْ فِي لَفظْهِ ذكر عَادَتِهِ الَّتِي يستعملها من الإحسانِ إلى زائره. وَجَازَ أَيْضاً أَنْ يُظَنَّ بِهِ
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٥٩.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٤٧. تنظر : ص : ٤٢٢. والمحتسب : ٢ / ٢٢٧.
(٣) المحتسب : ٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.
(٤) من قوله تعالى من سورة محمّد (صلى الله عليه وآله) : ٤٧ / ٣٧ : (إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ).