بالتخفيف.
قَالَ أَبو الفتح : (أَلاَ) افتتاحُ كلام ، و (مَنْ) هُنَا شرطٌ ، وَجَوابُهُ (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) كقولِكَ : مَنْ قَامَ فيضربُهُ زَيدٌ. وَكَذلِكَ الآية ، أَيْ : مَنْ يَتَولَّ وَيَكفر فَهُوَ يُعذّبهُ اللهُ ، لاَ بُدَّ مِن تَقْديرِ المُبتدأِ هُنَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الفَاءَ إنَّما يُؤْتَى بِهَا فِي جوابِ الجَزَاءِ بَدَلاً مِنْ الفِعْلِ الَّذىِ يُجَابُ بِهِ ، فَإذَا رَأَيْتَ الفَاءَ مَعَ الفِعْلِ الَّذي يَصْلُحُ أَنْ يكونَ جواباً للجزاءِ فَلا بُدَّ مِنْ تَقْدير مُبتدأ محذوف (١) هُنَاكَ لاَِ نَّهُ لَو أُريدَ الجوابُ عَلَى الظَّاهِر لَكانَ هُنَاكَ فِعْلٌ يَصلُحُ لَهُ ، فَكَانَ يُقالُ : أَلاَ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ يُعَذّبُهُ اللهُ ، كَقَوْلِكَ : مَنْ يَقُمْ أُعْطِهِ دِرْهَمَا. وَلَوْ دخلتِ الفَاءُ لَقُلْتَ : مَنْ يقمْ فَأُعطيهِ دِرْهَماً ، فَهُوَ كقولِ الله سبحانه : (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (٢) أَيْ : فَهْوَ يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ (٣).
قَرَأَ عِيسى الثَّقَفِي : (الزَّانِيَةَ وَالزَّانِي ـ بِالنَّصْبِ ـ فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَة) (٤).
قَالَ أَبو الفتح : جَازَ دُخُولُ الفاءِ فِي هَذَا الوَجهِ لاَِ نَّهُ موضعُ أَمر ، ولا يجوزُ زيداً فضربتُه ، لاَِ نَّهُ خبرٌ. وساغتِ الفَاءُ مَعَ الأمْرِ لِمُضَارَعَتِهِ
__________________
(١) قال سيبويه : إنْ تَأَتِني فَأُكْرمُكَ ، أَيْ فَأَ نَا أَكْرِمُكَ فَلاَ بُدَّ مِنْ رَفْع أُكْرِمُكَ إِذَا سَكَتَ عَلَيهِ لاَِ نَّهُ جوابٌ ، وَأَنمَا اَرْتَفَعَ لاَِ نَّهُ مَبْني عَلَى مبتدأ. وَمْثِلُ ذَلِكَ قَولْهُ عَزَّوَجَلَّ : (وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام). الكتاب : ١ / ٤٣٧.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٩٥.
(٣) المحتسب : ٢ / ٣٥٧.
(٤) من قوله تعالى من سورة النور : ٢٤ / ٢ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَة وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ).