وَمِنْهُ قَولُ اللهِ : (وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّك الَّذِينَ لاَ يُوْقِنُونَ) (١) ونحوه قول يونس (٢) في قولِ اللهِ تَعَالى : (ثُمّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلَّ شِيعَة أَيَّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عُتِيا) (٣) أَلاَ تَرَاه كَيفَ ذَهَبَ إلى تعليقِ ينزع في هَذَا الموضعِ؟ وَلَوْ كَانَ بمنزلةِ نَزَعَ الرَّجُلُ الرِّجْلَ مِنَ الخُفِّ أَو المِسْـمَـارَ مِنَ الجِذْعِ ونحوه ، لَمَا جَازَ تعليقُهُ.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : فَإنَّمَا هُوَ إذاً كقولك لَـنُـمَيِّزَنَّهُمْ بالاعتقادِ والعِلْمِ فَنَخُّصُّهُمْ باسْتْحِقَاقِ الذَّمِّ بِمَا يَجِبُ اعتقادُهُ فِي مِثْلِهِم.
هَذَا مَحْصُولُ ما كَانَ يقولُهُ أَبُو عَلِيّ وَإنْ لَمْ يَحضرنِي الآنَ صورةُ لفظِهِ.
فَكَذَلِكَ إذاً قولُهُ : (لِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يَنَزِعَنَّكَ فِي الاَْمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم). أَيْ : فَاثْبُت عَلَى دينك ولا يمل بكَ هواكَ إلى اعتقاد دينِ غيركَ.
وَأَما قراءة العامّة : (فَلاَ يُنَازِعُنَّك فِي الاَْمْرِ) أي : فاثبت على يقينكَ في صحَّةِ دينكَ ولا تلتفت إِلى فسادِ أَقوالِهِم حَتَّى إِذَا رأَوك كَذَلِكَ أَمْسَكُوا عَنْكَ وَلَمْ يُنَازِعُوكَ ، فَلفَظُ النَّهي لَهُم وَمَعناهُ لَهُ صلّى الله عليه وآله. ومثله قولهم : لا أَرينَّكَ هَاهُنّا.
أَلاَ تَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ : لاَ تَكُنْ هُنَا فَأَراكَ؟ فالنَّهيُّ فِي اللّفْظِ لِنَفْسِهِ ، وَمَحْصُولُ مَعْنَاهُ لِلْمُخَاطَبِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ :
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٦٠.
(٢) الكتاب : ١ / ٣٩٨.
(٣) سورة مريم : ١٩ / ٦٩ وتنظر : ص : ٥٣ و ٥٤. و (عُتِيّا) بضمّ العين قراءة غير الكسائي وحمزة والأعمش وحفص. كما في : إتحاف فضلاء البشر : ١٨١ وقرأ عبد الله بن مسعود (عَتِيّا) بفتح العين. انظر : ص : ٣٥٧. والمحتسب : ٢ / ٣٩.