يريدُ : أَشعيثُ بن سَهم أَم شعيثُ بن مِنْقَر؟ وَيَدَلُّ عَلَى إرادة هذه القراءة الهمزةَ وأَ نَّها إنَّما حُذِفَتْ لِمَا ذَكَرْنَا بقاءُ (أَمْ) بَعْدَهَا ولو أَرَاد الخبر لقالَ : أَو لم تنذرْهم. فَإن قِيلَ : تكون (أَمْ) هَذِهِ منقطعة كَقَوْلِهِم : إنَّهَا لإِبِلٌ أَمْ شاءٌ (١) ، قِيلَ : إذَا قَدَّرْتَ ذلكَ بَقِي قولُهُ تَعَالى : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ) منقطعاً لا ثانِيَ لَهُ ، وَأَقلَّ مَا يَكُونُ خبرُ سواءٌ اثنان. فَقَد عَلِمْتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَ ابنِ مُجَاهد عَلَى الخَبَرِ لاَ وَجْهَ لَهُ ، اللّهمَّ إِلاَّ أنْ يُتَمَحَّلَ لَهُ ، فَيُقَالُ : أَرَادَ بِلَفْظِ الخَبَرِ الإخبارَ ، وَفِيهِ مِنَ الصنعةِ مَا تَرَاهُ (٢).
وقرأ يحيى والأَعرجُ وشيبةُ وأَبو جعفر وَصَفوانُ بنُ عمرو : (إِذَا مِتْنَا) (٣) بغيرِ استفهام.
قَالَ أَبو الفتح : يَحْتَمِلُ هَذَا أَمْرَينِ :
أَحَدُهُمَا : حذفُ همزةِ الاستفهامِ عَلى القراءةِ العامّة ، فَحَذَفَهَا تَخْفِيفاً ، وَقَدْ مَضَى نَحوُ هَذَا وَذَكَرنَا ضعفَهُ (٤).
والآخرُ : أَنْ يَكُونَ غَيرَ مُريد لِلْهَمْزَةِ ، فكأ نَّهُ قَالَ : إذَا مِتنا وكُنَّا تُرَاباً بَعُدَ رَجْعُنَا وَنُشُورُنَا (٥).
__________________
يلاحظ هنا إن أبا الفتح كرّر الشواهد في أكثر من موضع وقد تابعناه على ذلك حسب ورودها.
(١) مثل بهذا المثال سيبويه في الكتاب : ١ / ٤٨٥.
(٢) المحتسب : ٢ / ٢٠٥.
(٣) من قوله تعالى من سورة ق : ٥٠ / ٣ : (أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ).
(٤) تنظر : ص : ٥٦٦ ـ ٥٦٩. والمحتسب : ١ / ٥٠ و ٢ / ٢٠٥ و ٣٢٢.
(٥) المحتسب : ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.