عَنْ (أَعطْفُ) ، وَنَحو ذَلِكَ. فَلَوْ ذَهَبْتَ تَحْذِفُ الحرفَ لَكَانَ ذَلِكَ اختصاراً ، واختصارُ الُمختَصر إِجْحَافٌ بِهِ ، إِلاَّ أَنَّه إذَا صَحَّ التَّوجّهُ إِليهِ جَازَ في بعضِ الأَحوال حذفُهُ لقوةِ الدّلالةِ عليه.
فإن قِيلَ : فَلَعَلَّه حَذَف هَمْزَةَ (أَنْذَرْتَهم) لَِمجِيءِ همزة الاستفهام فكانَ الحُكم الطارئ على ما يشبه هذا من تعاقب ما لا يجمع بينه.
قِيلَ : قَدْ ثَبَتَ جَوازُ حذفِ همزةِ الاستفهامِ عَلَى مَا رَأَيْنَا فِي غَيرِ هَذَا ، فَيَجُبُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَيهِ أَيضاً.
وَأَمَّا همزةُ أَفْعَل فِي المَاضِي فَمَا أَبْعَد حَذَفَهَا فَلْيَكُنْ العَمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِإذْنِ اللهِ (١).
وَقَرَأَ ابنُ مُحَيْصِنْ والزُّهري : (أَنذَرْتَهُم) (٢) بِهَمْزة وَاحِدَة عَلَى الخَبرِ.
قَالَ أَبوُ الفتح : الَّذي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِي هذا أَنْ يكونَ أَرادَ همزةَ الاستفهام كَقِراءَةِ العامّة : (ءَأَنْذَرْتَهُمْ) إلاّ أَنَّهُ حَذَفَ الهَمْزَةَ تَخْفِيفاً وَهوَ يُريدهَا (٣) ، كَمَا قَالَ الكُمَيتُ :
طَرِبْتُ وَما شَوْقاً إلَى البِيضِ أَطْرَبُ |
|
وَلاَ لَعِبَا مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ (٤) |
قَالُوا مَعْنَاهُ : أَو ذو الشَّيبِ يَلْعَبُ؟ تناكُراً لِذَلِكَ وتعجُّباً. وكبيتِ الكتابِ :
لَعْمركَ مَا أَدْرِيَ وَإنْ كُنْتُ دَاريا |
|
شُعَيثُ ابنُ سَهْم أَمْ شُعَيثُ ابنُ مِنْقَرِ (٥) |
__________________
(١) المحتسب : ١ / ٥٠ ـ ٥١.
(٢) من قوله تعالى من سورة يس : ٣٦ / ١٠ : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُـم لاَ يُؤمِنُونَ).
(٣) تنظر : ص : ٥٦٧.
(٤) تقدّم الشاهد في : ص : ٥٦٨.
(٥) تقدَّمَ الشاهد في : ص : ٥٦٧.