كتاباً يحتجُّ فيهِ للقراءاتِ الشاذَّةِ ، بل إنَّهُ (قد همَّ أَنْ يضعَ يدَهُ فيهِ ويبدأ بهِ فاعترضتْ خوالجُ هذا الدهرِ دونَهُ وحالتْ كبواتُه بينه وبينه) (١) ولذلك تَقَدَّم أَبو الفتح بن جنّي فحقّق رغبة أُستاذِهِ حينَ أَلَّف كتابه الُمحتَسَب مُحتَجًّا للقراءاتِ الشاذَّةِ متّخذًّا من شيخِهِ قدوةً في هذا العمل.
وَلَعَلَّ من الأَسباب التي حملته على تأليفِ المحتسب أَنَّهُ لم يجدْ كتاباً خاصّاً بالاحتجاج للشاذِّ من القراءاتِ وتوضيح عللها وتخريجها (٢).
وسبب آخر هو أَنَّه أراد أنْ يؤكّد أَنَّه لا موجبَ لهذا الموقف الصلب من شواذ القراءات (٣) ، وأراد أَنْ يتصدَّى للدفاع عنه إذ كان يرى أنَّ ذلك واجب (لأِ نَّه مما أمر الله تعالى بتقبله وأراد منا العمل بموجبه) (٤).
ويبدو أثر أَبي عليّ الفارسي في تلميذه ابن جنّي في المحتسب واضحاً فهو يستشهد به كثيراً (٥) ، وربما كان يختبره أبو عليّ الفارسي كأنْ يقول : «سألني يوماً أبو عليّ فقال : أيُّ شيء مثلُ غَوغاءَ وغَوَغاء؟ فقلت له : قولهم للمنخوبِ (٦) هو هَوْهٌ وَهَوْهَاءَةٌ» (٧) وربَّمَا وصفَ شيخَهُ أَباعليّ بالتَّعَسُّفِ ، نحو
__________________
(١) المحتسب : ١ / ٣٣ ـ ٣٤.
(٢) المحتسب : ١ / ٣٣ ـ ٣٤.
(٣) غاية النهاية : ٢ / ٥٢ و ٢ / ١٢٣.
(٤) المحتسب : ١ / ٣٣ ـ ٣٤.
(٥) المحتسب : ١ / ٨٨ ، ٩٥ ، ١٣٧ ، ١٧٤ ، ٢٥٨ ، ٣٤٠ و ٢ / ٢٥ ، ٥٤ ، ١٥٢ ، ١٥٥ ، ١٧١ ، ٢٣٩ ، ٣٣٠ وغيرها.
(٦) المنخوب : الجبّان ، من لا فؤاد له.
اُنظر : أساس البلاغة ـ نخب ـ : ٢ / ٤٢٩.
(٧) المحتسب : ٢ / ٩٤.