«أما بعد ، ف (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(١). وإني اخبرك عن نبأ من سرنا إليه من جموع طلحة والزبير عند نكثهم بيعتهم وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف : إني هبطت من المدينة بالمهاجرين والأنصار ، حتى إذا كنت بالعذيب ، بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن علي وعبد الله بن عباس ، وعمّار بن ياسر ، فاستنفروهم فأجابوا ، فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة ، فأعذرت في الدعاء وأقلت العثرة ، وناشدتهم عقد بيعتهم فأبوا إلّا قتالي! فاستعنت بالله عليهم ، فقتل من قتل ، وولّوا مدبرين إلى مصرهم ، فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء فقبلت العافية ورفعت السيف. واستعملت عليهم عبد الله بن عباس وسرت إلى الكوفة ، وقد بعثت إليكم زحر بن قيس فاسأله عمّا بدا لك».
فحمل جرير الكتاب إلى جامعهم في همدان وقرأه عليهم ثمّ قال لهم : أيها الناس ، هذا كتاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وهو المأمون على الدّين والدنيا ، وقد كان من أمره وأمر عدوّه ما نحمد الله عليه. وقد بايعه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ، ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقّهم بها. ألا وإن البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة ، وعليّ حاملكم على الحق ما استقمتم ، فإن ملتم أقام ميلكم.
فتنادى الناس : سمعا وطاعة رضينا رضينا (٢).
ثم أقبل جرير سائرا من همدان حتى ورد على علي عليهالسلام بالكوفة فبايعه (٣).
__________________
(١) الرعد : ١١.
(٢) وقعة صفين : ١٥ ، ١٦.
(٣) وقعة صفين : ٢٠ فهو لم يبايع له حتى اليوم!