وخطب الأشتر الناس وهو على فرس أدهم أسود فقال :
«الحمد لله الذي خلق السماوات العلى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى)(١) أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء ، حمدا كثيرا بكرة وأصيلا ، من يهد الله فقد اهتدى ومن يظلل الله فقد غوى. أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالصواب والهدى ، وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
ثمّ قد كان مما قضى الله وقدّر أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض ، ولفّ بيننا وبين عدوّنا ، فنحن بحمد الله ونعمته وفضله قريرة أعيننا وطيبة أنفسنا ، نرجو في قتالهم حسن الثواب والأمن من العقاب ، معنا ابن عمّ نبينا وسيف من سيوف الله علي بن أبي طالب ، صلّى مع رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يسبقه بالصلاة ذكر حتى كان شيخا. لم تكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ، فقيه في دين الله عالم بحدود الله ، ذو رأي أصيل وصبر جميل ، وعفاف قديم. فاتقوا الله وعليكم بالحزم والجدّ ، واعلموا أنكم على الحقّ وأن القوم يقاتلون مع معاوية على الباطل ، وأنتم مع قريب من مائة بدريّ ومن سوى ذلك من أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله ، أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومع معاوية رايات كانت مع المشركين على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فما يشك في قتال هؤلاء إلّا ميّت القلب! وإنما أنتم في قتالهم على إحدى الحسنيين : إمّا الفتح وإمّا الشهادة. عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعه واتّقاه ، وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه ، وأستغفر الله لي ولكم» (٢).
وخطب يزيد بن قيس الأرحبي الهمداني فقال : والله إنّ هؤلاء القوم ما يقاتلوننا على إقامة دين رأونا ضيعناه ، ولا إحياء عدل رأونا أمتناه ، ولا يقاتلوننا
__________________
(١) طه : ٥ ـ ٦.
(٢) وقعة صفين : ٢٣٨ ـ ٢٣٩.