فقال علي عليهالسلام : رحم الله خبّابا ، قد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسده أحوالا ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا ، ثمّ وقف عليهم وزار زيارة أهل القبور المروية عنه عليهالسلام وقال في آخرها : طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضي عن الله بذلك.
ثمّ أقبل حتّى دخل سكّة الثوريين من همدان ، فسمع بكاءهم على قتلاهم بصفين فقال : أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة.
ثمّ مرّ بالفائشيّين من همدان فسمع مثل ذلك فقال مثل ذلك.
ثمّ مرّ بالشباميين من همدان فسمع صوتا مرتفعا عاليا ورنة شديدة ، وخرج إليه منهم حرب بن شرحبيل فقال له الإمام عليهالسلام : أيغلبكم نساؤكم؟! ألا تنهونهنّ عن هذا الصياح والرّنين؟!
فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ، ولكن قد قتل من هذا الحيّ مائة وثمانون قتيلا! فليس من دار إلّا وفيها بكاء (النساء) أمّا نحن الرجال فلا نبكي ولكن نفرح لهم بالشهادة فقال عليهالسلام : رحم الله قتلاكم وموتاكم. ثمّ مشى ، وأقبل الشبامي يمشي معه فوقف وقال له : ارجع ، فإنّ مشي مثلك مذلّة للمؤمن وفتنة للوالي. ارجع ، فرجع.
ثمّ مضى حتّى مرّ بالناعطيّين من همدان ـ وكان جلّهم عثمانية ـ فسمع رجلا منهم يقول لآخر : والله ما صنع علي شيئا ذهب ثمّ انصرف في غير شيء! وفوجئوا بعلي عليهالسلام فأسقط في أيديهم. فقال الإمام : «وجوه قوم ما رأوا الشام العام! فالذين فارقناهم (قبلهم) خير من هؤلاء» ولم يكن فيهم شهداء ولا بكاء نساء ، وأنشد :
أخوك الذي إن أحرجتك ملمّة |
|
من الدهر ، لم يبرح لشكواك فاهما |
وليس أخوك بالذي إن تمنّعت |
|
عليك أمور ظلّ يلحاك لائما |