فقال ابن عباس : نشدتكم الله إلّا ما صدقتم أنفسكم أما علمتم أن الله أمر بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم ، وفي شقاق رجل وامرأته؟ فقالوا : اللهم نعم.
فقال : أنشدكم الله! هل تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين أهل الحديبية؟ قالوا : نعم ، ولكن عليا محا نفسه من إمارة المسلمين.
فقال ابن عباس : ليس ذلك بمزيلها عنه وقد محا رسول الله اسمه من النبوّة ، و (هذا) قد أخذ على الحكمين أن يحورا ولا يجورا ، فعليّ أولى من معاوية وغيره.
قالوا : فمعاوية يدّعي مثلها. قال : فولّوا أولاهما! قالوا : صدقت (١).
وروى البغدادي الخطيب الخبر عنه قال : دخلت عليهم وهم قائلون (في الضحى) لسهرهم في الليل لتهجدهم ، وقد أثر السجود في جباههم كأنها وأيديهم ثفنات الإبل ، وعليهم قمصان رخيصة ، ولذا قالوا : ما جاء بك يا ابن عباس وما هذه الحلّة عليك؟!
فقلت لهم : وما تعيبون منّي؟ فلقد رأيت على رسول الله أحسن ما يكون من الثياب اليمنية ، ثمّ قرأت الآية. فقالوا : ما جاء بك؟
فقلت : جئتكم من عند ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومن عند أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وليس أحد منهم فيكم ، وقد نزل القرآن عليهم فهم أعلم بتأويله منكم ، جئت لابلغكم عنهم وابلغهم عنكم. فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا فإن الله يقول : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) وقال بعضهم : بل نكلّمه. فقلت : فما نقمتم على عليّ؟ قالوا : ثلاثا. قلت : ما هنّ؟ قالوا :
حكّم الرجال في أمر الله وقال الله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) فقلت : فهذه واحدة فما ذا أيضا؟
__________________
(١) الكامل للمبرّد ٢ : ١٣٤ ، وعنه في مواقف الشيعة ١ : ١٧٢ ـ ١٧٣.