لرسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى وقف بينهم بحيث يسمعونه ويسمعهم ، فخطبهم فقال : «الحمد لله الذي دنا في علوّه فحال دون القلوب ، و (علا في دنوّه) فلا تدركه الأبصار ، الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، الذي اطّلع على الغيوب ، وعفا عن الذنوب ، يطاع بإذنه فيشكر ، ويعصى بعلمه فيغفر ويستر ، لا يعجزه شيء طلبه ، ولا يمتنع منه أحد أراده ، قدر فحلم وعاقب فلم يظلم ، وابتلى من يحبّ ومن يبغض ، ثمّ قال فيما أنزل على نبيّه صلىاللهعليهوآله : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)(١).
ثمّ أنتم ـ أيّها القوم ـ قد علمتم أني كنت للتحكيم كارها حتّى غلبتموني ، والله شهيد بيني وبينكم (٢).
اللهمّ هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة ، ومن نطف فيه (تلوّث بلوثة) أو غلّ (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(٣) نشدتكم الله : أتعلمون أنّهم حين رفعوا المصاحف فقلتم : نجيبهم إلى كتاب الله ، قلت لكم : «إنّي أعلم بالقوم منكم ، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن! إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال ، امضوا على حقكم وصدقكم ، إنّما رفع القوم لكم هذه المصاحف خديعة ومكيدة وو هنا» فرددتم عليّ رأيي وقلتم : لا ، بل نقبل منهم. فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إيّاي.
فلما أبيتم إلّا الكتاب ، اشترطت على الحكمين : أن يحييا ما أحياه القرآن وأن يميتا ما أماته القرآن. فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب ، وإن أبيا فنحن من حكمهما برءاء».
فسأله بعضهم : أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟
__________________
(١) آل عمران : ١٤١.
(٢) شرح الأخبار ٢٣ : ٣٧ ـ ٣٨ ، الحديث ٤٠٧.
(٣) الإسراء : ٧٢.