أمّا إذا كتب الإمام بشيء إلى الأشعريّ أتاه أهل الكوفة فسألوه عنه فيكتمهم ، فيقولون له : كتمتنا ما كتب به إليك ، إنما كتب بكذا وكذا (١) وكتب معاوية إلى رجال من قريش : أن أقدموا علي ، فأتاه عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن صفوان الجمحي ، وأبي الجهم بن حذيفة العدوي ، وعبد الرحمن الزهري ورجال آخرين من قريش : أن قد وضعت الحرب أوزارها ، والتقى الرجلان بدومة الجندل ، فاقدموا علي.
فأتوه ومنهم المغيرة فقال له : يا مغيرة ما ذا ترى؟ قال : عليّ أن آتيك بأمر الرجلين ، ثمّ ركب إلى دومة الجندل فدخل على أبي موسى زائرا فقال له : يا أبا موسى ، ما تقول في من كره الدماء فاعتزل هذا الأمر؟ قال : اولئك خيار الناس! خفّت ظهورهم من دمائهم وخمصت بطونهم من أموالهم!
ثم زار عمرا فقال له : يا أبا عبد الله ، ما تقول في من كره الدماء فاعتزل هذا الأمر؟ قال : اولئك شرار الناس! لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا!
فرجع المغيرة إلى معاوية وقال له : قد ذقت الرجلين : أما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف ، وقد ظن الناس أنه يرومها لنفسه وأنه لا يرى أنك أحقّ بهذا الأمر منه! وأما عبد الله بن قيس : فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر وهواه في عبد الله بن عمر (٢) فكان رأي أبي موسى ـ كما قال المغيرة ـ في ابن عمر (صهره) وكان يقول : والله لو استطعت لاحيينّ سنة عمر (٣)!
__________________
(١) وقعة صفين : ٥٣٣.
(٢) وقعة صفين : ٥٣٩ ـ ٥٤٠.
(٣) وقعة صفين : ٥٣٤.