مبتذلا نفسك في مرضاة ربك. فلما حميت الحرب وذهب الصالحون : عمار بن ياسر ، وأبو الهيثم ابن التيهان وأشباههم ، اشتمل عليك من لا فقه له في الدين ولا رغبة له في الجهاد مثل الأشعث بن قيس وأصحابه ، واستنزلوك حتّى ركنت إلى الدنيا حين رفعت لك المصاحف مكيدة! فتسارع إليهم الذين استنزلوك ، وكانت منّا في ذلك هفوة ، ثمّ تداركنا الله منه برحمته ، فحكّمت في كتاب الله وفي نفسك! فكنت في شكّ من دينك وضلال عدوّك وبغيه عليك!
كلّا والله يا ابن أبي طالب فكأنك (ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)(١) وقلت : لي قرابة من الرسول وسابقة في الدين ، فلا يعدل الناس بي معاوية! فالآن فتب إلى الله وأقرّ بذنبك ، فإن تفعل (نجب دعوتك لنا و) نكن يدك على عدوّك ، وإن أبيت ذلك فالله يحكم بيننا وبينك (٢).
فلما قرأ كتابهم أيس منهم ، فرأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام فيناجزهم (٣).
وفي ذي القعدة من هذه السنة (٣٧ ه) بايع أهل الشام لمعاوية بالخلافة (٤)!
وكان عبيد الله بن العباس عامل الإمام عليهالسلام على مخاليف اليمن فأمره الإمام بالحجّ بالناس. وكان عامله على مكة والطائف أخوه قثم ، وعلى المدينة أخوه تمّام (٥) ، وهو أعلن المسير إلى الشام.
__________________
(١) الفتح : ١٢.
(٢) أنساب الأشراف ٢ : ٣٧٠ ، الحديث ٤٣٨.
(٣) الطبري ٥ : ٧٨.
(٤) تاريخ خليفة : ١١٥.
(٥) الطبري ٥ : ٩٢ ـ ٩٣.