فكتب معاوية إليهما : أمّا بعد ، فإنّ الله عزوجل قد ابتعثكما لأمر عظيم ، أعظم به أجركما ورفع به ذكركما ، وزيّنكما به في المسلمين : طلبتما بدم الخليفة المظلوم ، وغضبتما لله إذ ترك حكم الكتاب! وجاهدتما أهل الظلم والعدوان! فأبشرا برضوان الله وعاجل نصرة أولياء الله والمواساة لكما في دار الدنيا وسلطاننا ، حتى ينتهي ذلك إلى ما يرضيكما ويؤدّى به حقّكما ، فالزما أمركما وجاهدا عدوّكما ، وادعوا المدبرين عنكما إلى هداكما ، فكأنّ الجيش قد أظلّ عليكما فانقشع كلّ ما تكرهان ، ودام كل ما تهويان ، والسلام عليكما.
وبعث بالكتاب مع مولاه سبيع بن يزيد الهمداني ، فخرج الرسول بكتابه حتّى دفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلّد الأنصاري ، فلمّا قرأه قال له : الق به معاوية بن حديج ثمّ القني به حتى اجيب عنّي وعنه.
فانطلق الرسول بكتاب معاوية إليه فأقرأه إيّاه ثمّ أبلغه مقالة مسلمة وأتى بالكتاب إلى مسلمة ، فكتب الجواب :
إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد ، فإنّ هذا الأمر الذي قد ندبنا له أنفسنا وابتعثنا الله به على عدوّنا أمر نرجو به ثواب ربّنا! والنصر على من خالفنا ، وتعجيل النقمة على من سعى على إمامنا ، وطأطأ الركض في جهادنا. ونحن بهذه الأرض قد نفينا من كان بها من أهل البغي ، وأنهضنا من كان بها من أهل «القسط» والعدل. وقد ذكرت مؤازرتك في سلطانك وذات يدك. وبالله! إنّه لا من أجل مال غضبنا ولا إيّاه أردنا! فإن يجمع الله لنا ما نريد ونطلب ويؤتنا ما نتمنّى! فإنّ الدنيا والآخرة لله ربّ العالمين ، وقد يؤتيهما الله عالما من خلقه كما قال في كتابه : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١) فعجّل علينا بخيلك ورجلك! فإنّ عدونا قد كان علينا حربا وكنّا فيهم قليلا ، وقد أصبحوا لنا هائبين
__________________
(١) آل عمران : ١٤٨.