فأجابه الإمام فقال : أمّا ما ذكرت من سيرتنا بالعدل فإنّ الله عزوجل يقول : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)(١) وأنا من أن أكون مقصّرا فيما ذكرت أخوف!
وأمّا ما ذكرت من أنّ الحقّ ثقل عليهم ففارقونا ، فقد علم الله أنّهم لم يفارقونا من جور ولا لجئوا إلى عدل إذ فارقونا ، ولم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها وليسألنّ يوم القيامة : أللدنيا أرادوا أم لله عملوا؟
وأمّا ما ذكرت : من بذل الأموال واصطناع الرجال ، فإنّه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفيء أكثر من حقّه (بالسواء) فإن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلّل لنا أصعبه ويسهّل لنا أحزنه (٢).
ثمّ قال له : وأنت من أمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله ، وأنا قابل من رأيك ما كان رضا لله عزوجل (٣).
ولعلّه هنا سمع بهذا بعض أصحابه فلم يروا جواب الإمام جادّا فمشوا إليه وقالوا له : يا أمير المؤمنين ، من تخاف خلافه وفراره من الناس فاستمله بالعطاء من هذه الأموال ، وفضّل فيهم قريشا والأشراف من العرب على العجم والموالي.
فقال عليهالسلام : أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله ما أفعل ما طلعت الشمس وما لاح في السماء نجم! والله لو كان هذا المال لي لواسيت بينهم فكيف وإنّما هي أموالهم (٤).
__________________
(١) فصلت : ٤٦.
(٢) الحزن : الصعب.
(٣) الغارات ١ : ٧١ ـ ٧٣ عن المدائني.
(٤) الغارات ١ : ٧٤ ـ ٧٧ وعنه في أمالي المفيد وعنه في أمالي الطوسي وفي نهج البلاغة خ ١٢٦ ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨٧.