وذكرت : أنّك قد رأيت ممّن قبلك فشلا ، فلا تفشل وإن فشلوا.
حصّن قريتك (الفسطاط) واضمم إليك شيعتك ، وأذك الحرس في عسكرك ، واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والتجربة والبأس! وأنا نادب إليك الناس على الصعب والمذلول! فاصبر لعدوّك وامض على بصيرتك ، وقاتلهم على نيّتك ، وجاهدهم محتسبا لله وإن كانت فئتك أقلّ الفئتين ، فإنّ الله يعزّ القليل ويخذل الكثير.
وقد قرأت كتابي الفاجرين ، المتحابّين على المعصية ، والملائمين على الضلالة ، والمرتشيين الذين استمتعا بخلاقهما! فلا يهدنّك إرعادهما وإبراقهما ، وأجبهما ـ إن كنت لم تجبهما ـ بما هما أهله ، فإنّك تجد مقالا ما شئت ، والسلام. فلمّا بلغه كتابه كتب إلى معاوية :
أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر منه إليك ، وتأمرني بالتنحّي عنك كأنّك لي ناصح ، وتخوّفني بالمثلة كأنّك عليّ شفيق! وأنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم ، وأن يهلككم الله في الوقعة وأن ينزل بكم الذلّ وأن تولّوا الدبر ، وإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم وكم لعمري من ظالم قد نصرتم ، وكم من مؤمن قد قتلتم ومثّلتم به ، وإلى الله المصير وإليه تردّ الأمور ، وهو أرحم الراحمين ، والله المستعان على ما تصفون. وكتب لعمرو بن العاص :
أمّا بعد ، فقد فهمت كتابك وعلمت ما ذكرت ، زعمت أنّك لا تحبّ أن يصيبني منك ظفر! فأشهد بالله إنّك لمن المبطلين ، وزعمت أنّك لي ناصح ، واقسم أنّك عندي ظنين ، وزعمت أنّ أهل البلد قد رفضوني وندموا على اتّباعي ، فاولئك حزبك وحزب الشيطان الرجيم ، وحسبنا الله ربّ العالمين ، وتوكّلت على الله العزيز الرحيم ربّ العرش العظيم (١).
__________________
(١) الغارات ١ : ٢٧٨ ـ ٢٨٢ ، وفي الطبري ٥ : ١٠١ ـ ١٠٣ عن أبي مخنف بسنده.