فلمّا وصل كتابه إلى معاوية وقرأه قال : لا عزمت على رأي سوى ما كتب به هذا إليّ ، وأجابه :
أمّا بعد ، فقد قرأت كتابك فعرفت نصيحتك ، وقبلت مشورتك ، فرحمك الله وسدّدك! فاثبت ـ هداك الله ـ على رأيك الرشيد هذا! فكأنّك بالرجل الذي سألت قد أتاك ، وكأنّك بالجيش قد أطلّ عليك ، فسررت وحبيت وقبلت! والسلام (١).
ورأى معاوية أن يكتب بذلك إلى ابن العاص بمصر يستطلع رأيه في ذلك ، فكتب إليه :
من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص ، سلام عليك ، أمّا بعد ، فإنّي قد رأيت رأيا وهممت بإمضائه ، ولم يخذلني عنه إلّا استطلاع رأيك ، فإن توافقني أحمد الله وامضيه! وإن تخالفني فاستخير الله وأستهديه ، إنّي نظرت أمر أهل البصرة فوجدت عظم أهلها لنا وليّا ولعليّ و «شيعته» عدوّا! فقد أوقع بهم عليّ الوقعة التي علمت (الجمل) فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح ولا تريم (تزول) وقد علمت أنّ قتلنا محمّد بن أبي بكر أطفأت نيران أصحاب علي في الآفاق! ورفعت رءوس «أشياعنا» أينما كانوا من البلاد! وقد بلغ من كان بالبصرة على مثل رأينا ما بلغ الناس ، وليس أحد ممّن يرى رأينا أكثر عددا ولا أضرّ خلافا على عليّ من أولئك!
فقد رأيت أن أبعث إليهم عبد الله بن عامر الحضرمي (٢) فينزل في مضر ، ويتودّد الأزد ، ويحذر ربيعة ، وينعى دم عثمان بن عفان ، ويذكّرهم وقعة عليّ بهم ، التي أهلكت صالحي آبائهم وإخوانهم وأبنائهم! وعند ذلك أرجو أن يفسدوا على عليّ و «شيعته» ذلك الثغر من الأرض! وإذا اتوا من أمامهم وخلفهم يضل سعيهم ويبطل كيدهم!
__________________
(١) الغارات ٢ : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ متنا وهامشا.
(٢) مشابها لاسم واليهم السابق عن عثمان ابن خالته : عبد الله بن عامر بن كريز الفهري.