ويحك! هلمّ إليّ أدارسك الكتاب وأناظرك في السنن ، وافاتحك امورا من الحقّ أنا أعلم بها منك ، فلعلّك تعرف ما أنت له الآن منكر ، وتستبصر ما أنت به الآن عنه عم وجاهل!
فقال له الخرّيت : فإنّي عائد إليك غدا ، فقال له الإمام : اغد ولا يستهوينّك الشيطان ولا يقتحمنّ بك رأي السوء ، ولا يستخفنّك الجهلاء الذين لا يعلمون ، فو الله لئن استرشدتني واستنصحتني وقبلت منّي لأهدينّك سبيل الرشاد. وخرج الخرّيت وأصحابه إلى أهاليهم.
واجتمع إليه في داره رجال من أصحابه لم يكونوا معه في دخوله على الإمام عليهالسلام فقال لهم :
يا هؤلاء ، إنّي قد رأيت أن افارق هذا الرجل (الإمام) وإن كنت قد فارقته على أن أرجع إليه من غد ولكنّي لا أراني إلّا مفارقه! فقال أكثرهم : لا تفعل حتى تذهب إليه فإن أتاك بأمر تعرف قبلت منه وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه ، فلم يخالفهم.
وارتفع النهار ولم يأت الخرّيت ، فقال عبد الله بن فقيم أو قعين الأزدي للإمام عليهالسلام :
يا أمير المؤمنين ، لم لا تأخذ الآن (الخرّيت بن راشد) وتستوثقه؟ فقال عليهالسلام :
إنّا لو فعلنا هذا لكلّ من نتّهمه من الناس ملأنا السجون منهم! ولا أراني يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف! فسكت وتنحّى وجلس مع الناس (١).
__________________
(١) الغارات ١ : ٣٣٣ ـ ٣٣٥ عن عبد الله بن قعين ، وفي الطبري ٥ : ١١٣ ـ ١١٥ عن الكلبي ، عن أبي مخنف ، عن عبد الله بن فقيم الأزدي.