وحمل الكتاب عبد الله بن قعين أو فقيم الأزدي فلمّا قدم على الإمام قرأه أمير المؤمنين على أصحابه ثمّ استشارهم فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس أن يتّبع آثارهم ولا يزال في طلبهم حتّى يقتلهم أو ينفيهم فإنّا لا نأمن أن يفسد عليك الناس. فكتب إليه :
أمّا بعد ، فالحمد لله على تأييده أولياءه وخذلانه أعداءه ، جزاك الله والمسلمين معك خيرا ، فقد أحسنتم البلاء وقضيتم ما عليكم ، وسل عن أخي بني ناجية فإن بلغك أنّه استقرّ ببلد من بلاد المسلمين فسر إليه حتّى تقتله أو تنفيه ، فإنّه لن يزال للمسلمين عدوّا و «للقاسطين» وليّا ما بقي ، والسلام. وحمل الكتاب عبد الله بن فقيم.
فلمّا قدم بالكتاب على معقل ، سأل عن مسير الخرّيت ومنتهاه ، فنبّئ أنّه بأسياف البحر من فارس ، وأنّه ورد على قومه من بني ناجية هناك فردّهم عن طاعة الإمام ومن والاهم من العرب ومن عبد القيس خاصّة ، وكانوا قد امتنعوا عن صدقاتهم منذ حرب صفين سنة (٣٧ ه) وهذا العام (٣٨ ه).
وكان رأي الخرّيت حين خرج من الكوفة : أنّ عليّا قد حكّم حكما ورضي به فخلعه حكمه الذي ارتضاه لنفسه! فقد رضيت أنا من قضائه وحكمه ما ارتضاه هو لنفسه ولكنّه كان يقول لمن يرى رأي عثمان : أنا والله على رأيكم فقد قتل عثمان مظلوما! ويقول لمن معه ممّن يرى رأي الخوارج : إنّي أرى رأيكم ، فإنّ عليّا لم يكن ينبغي أن يحكّم الرجال في أمر الله! ويقول لمن منع صدقته : شدّوا أيديكم على صدقاتكم وصلوا بها أرحامكم وعودوا بها إن شئتم على فقرائكم! وهكذا أرضى كلّ صنف منهم بضرب من القول يريهم أنّه على رأيهم.
وكان كثير منهم نصارى وقد أسلموا ، فلمّا رأوا هذا الاختلاف وسفك الدماء قالوا : والله لديننا الذي خرجنا منه خير وأهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم