أمهلنا حتّى ينسلخ عنّا البرد! فإذا كنتم من الحرّ والصرّ تفرّون فأنتم ـ والله ـ من حرّ السيوف أفرّ ، فحتّى متى وإلى متى؟!
يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام الأحلام ، أحلام الأطفال وعقول ربّات الحجال ، يعلم الله لقد سئمت الحياة بين أظهركم ، ولوددت أنّ الله يقبضني إلى رحمته من بينكم ليتني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرّت ندما وأعقبت سدما! (لقد) أوغرتم ـ يعلم الله ـ صدري غيظا ، وجرّعتموني جرع الهمام أنفاسا ، وأفسدتم عليّ رأيي وخرصي بالعصيان والخذلان ، حتّى قالت قريش وغيرها : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب! لله أبوهم! وهل كان منهم رجل أشدّ مقاساة وتجربة ، ولا أطول مراسا لها منّي! فو الله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها أنا ذا قد ذرّفت على الستّين ، ولكن «لا رأي لمن لا يطاع» فكرّرها ثلاثا ثمّ سكت» (١).
ثمّ أمر الإمام عليهالسلام الحارث بن الأعور الهمداني أن ينادي في الناس : أين من يشري نفسه لربّه؟ ويبيع دنياه بآخرته؟ اصبحوا غدا بالرّحبة إن شاء الله ، ولا يحضرنا إلّا صادق النيّة في المسير معنا والجهاد لعدوّنا. فأصبح وليس في الرّحبة إلّا دون الثلاثمائة رجل! وتخلّف آخرون وأتاه قوم يعتذرون.
ومكث الإمام عليهالسلام أيّاما ثمّ أمر فنودي في الناس بالاجتماع فاجتمعوا ، فقام فيهم خطيبا على المنبر فقال لهم :
__________________
(١) الغارات ٢ : ٤٧٠ ـ ٤٧٧ ، وفي معاني الأخبار : ٣٠٩ ـ ٣١٠ أنّها كانت خطبة له عليهالسلام بالنخيلة لإرسال سعيد بن قيس ، وكذلك في نهج البلاغة خ ٢٧ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٧٩ ، وانظر وقارن بالإرشاد ١ : ٢٧٨ ـ ٢٨٣ ، وموارد نقلها كذلك في تعليقات الغارات ٢ : ٨١٩ ـ ٨٢١.