بسر على مختلف مخاليف اليمن والعدّة التي معه. فصعد الإمام المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :
أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّ أوّل فرقتكم وبدء نقصكم : ذهاب اولي النهى وأهل الرأي منكم ، الذين كانوا يلقون فيصدقون ، ويقولون فيعدلون ، ويدعون فيجيبون ، وأنا ـ والله ـ قد دعوتكم عودا وبدءا ، وسرّا وجهارا ، وليلا ونهارا ، وبالغدوّ والآصال ، فما يزيدكم دعائي إلّا فرارا وإدبارا! أما تنفعكم العظة ، والدعاء إلى الهدى والحكمة.
وإنّي لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم ، ولكنّي ـ والله ـ لا اصلحكم بإفساد نفسي ، ولكن أمهلوني قليلا فكأنّكم ـ والله ـ بامرئ قد جاءكم يحرمكم ويعذّبكم! فيعذّبه الله كما يعذّبكم به.
إنّ من ذلّ المسلمين وهلاك الدين : أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأراذل والأشرار فيجاب ، وأدعوكم ـ وأنتم الأفضلون الأخيار ـ فتراوغون وتدافعون! ما هذا بفعل المتّقين.
إنّ بسر بن أبي أرطاة وجّه إلى الحجاز ، وما بسر؟! لعنه الله! لينتدب إليه منكم عصابة حتى تردّوه عن شنّته (غارته) فإنّما خرج في (ألف) وستّمائة أو ما يزيدون ، ثمّ سكت. وسكتوا! فقال : ما لكم أمخرسون أنتم لا تتكلّمون؟!
فقام من الأزد أبو بردة بن عوف فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن سرت سرنا معك!
فقال : اللهم! ما لكم! لا سدّدتم لمقال الرشد! أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟! إنّما يخرج في مثل هذا رجل ترضون به من فرسانكم وشجعانكم ، ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض ، والقضاء بين المسلمين ، والنظر في حقوق الناس ، ثمّ أخرج في كتيبة أتبع اخرى في الفلوات وشعب الجبال! هذا ـ والله ـ الرأي السوء!