الأعظم يجلس في موضع منه يسبّح ربّه حتّى طلوع الشمس ، ففي صبيحة الليلة التي قدم فيها الهاربان لمّا طلعت الشمس نهض إلى المنبر إلى أن نادى :
أيّها الناس ، ألا إنّ بسرا قد اطّلع إلى اليمن ، وهذا عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران قدما عليّ هاربين! ولا أرى هؤلاء القوم إلّا ظاهرين (غالبين) عليكم ، لاجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم ، وطاعتهم لإمامهم ومعصيتكم لإمامكم ، وبأداء أمانتهم إلى صاحبكم وخيانتكم إيّاي! فقد ولّيت فلانا فخان وغدر واحتمل فيء المسلمين إلى معاوية! وولّيت فلانا فخان وغدر وفعل مثله ، فصرت لا ائتمنكم على علاقة (قبضة) سوط!
إن ندبتكم إلى عدوّكم في الصيف قلتم : أمهلنا ينسلخ الحرّ عنّا ، وإن ندبتكم في الشتاء قلتم : أمهلنا ينسلخ القرّ عنا.
ثمّ دعا عليهم فقال : اللهم إنّي قد مللتهم وملّوني! وسئمتهم وسئموني! فأبدلني بهم من هو خير لي منهم ، وأبدلهم بي من هو شرّ لهم منّي (١)! اللهم مث قلوبهم ميث (ذوب) الملح في الماء! ثمّ نزل.
__________________
بأسك ورجزك الذي لا يردّ عن القوم المجرمين» قال : فما لبث بعد وفاة عليّ وصلح الحسن عليهماالسلام إلّا قليلا حتّى اختلط فكان يهذي ويدعو بالسيف ، فاتّخذ له سيف من خشب أو عيدان ، فإذا دعا بالسيف أعطى ذلك ، وكانوا يدنون إليه المرفقة فلا يزال يضربها حتّى يغشى عليه ، فما زال كذلك حتّى مات لعنه الله ، الغارات ٢ : ٦٤٠ ـ ٦٤٢ ، وفي إرشاد المفيد ١ : ٣٢١.
وفي مروج الذهب ٣ : ١٦٣ نقل المسعودي ذلك وزاد : أنّه كان ربّما يلعب بخرئه وربّما كان يتناول منه ، فشدّوا يديه ، فأهوى بفيه يتناول منه فبادروا يمنعونه فيقول : أنتم تمنعونني وهذان الغلامان ابنا عبيد الله : عبد الرحمن وقثم يطعمانني ، حتّى مات سنة ست وثمانين في أيّام الوليد بن عبد الملك.
(١) والمسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٤٢ نقل خبر هذه الخطبة عن المنقري مسندا