خير من كثير مما يحبّه الناس (من التسوية) إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ووهن الدين (١) وذل المؤمنين وعزّ الفاجرين. واقتد (في ذلك) بما جاء عن أئمة العدل : فقد جاء عنهم : أنه لا يصلح الكذب إلّا في إصلاح بين الناس أو حرب ، فإن الحرب خدعة ، فلك في ذلك سعة إذ كنت محاربا ، ما لم تبطل حقا ولم تتعدّ الحق.
واعلم أنّ عليّا أباك إنّما رغب الناس عنه إلى معاوية لأنّه آسى (٢) بينهم في الفيء وسوّى بينهم في العطاء فثقل عليهم.
واعلم أنك تحارب من حارب الله ورسوله في ابتداء الإسلام ، حتّى ظهر أمر الله ، فلما وحّد الربّ ومحق الشرك وعزّ الدين أظهروا الإيمان وقرءوا القرآن مستهزئين بآياته! وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى! وأدوا الفرائض وهم لها كارهون! فلما رأوا أنه لا يعزّ في الدين إلّا الأتقياء الأبرار توسّموا بسيماء الصالحين ليظنّ المسلمون بهم خيرا! فما زالوا بذلك حتّى أشركوهم في أمانتهم وقالوا : حسابهم على الله! فإن كانوا صادقين فاخواننا في الدين ، وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين! وقد منيت بأولئك وبأبنائهم وأشباههم ، والله ما زادهم طول العمر إلّا غيّا ، ولا زادهم ذلك لأهل الدين إلّا مقتا! فجاهدهم ولا ترض دنية ولا تقبل خسفا! فإنّ عليا عليهالسلام لم يجب إلى الحكومة حتّى غلب على أمره فأجاب وإنّهم (كانوا) يعلمون أنه أولى بالأمر إن حكموا بالعدل ، فلما حكم بالهوى رجع إلى ما كان عليه ، حتى أتى عليه أجله.
__________________
(١) إلى هنا في عيون الأخبار للدينوري ١ : ١٤ مرسلا.
(٢) الفتوح لابن الأعثم ٤ : ١٤٨ ، ومناقب الحلبي ٤ : ٣٦ عن أبي مخنف. وفي شرح النهج للمعتزلي ١٦ : ٢٣ : أساء! تصحيف أو تحريف.