إنّ هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ، ولا قرابتكم من النبي ، ولا مكانتكم في الإسلام وأهله ، فرأت الأمّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش ، لمكانها من نبيّها ، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم : أن يولّوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما (١) وأعلمها بالله! وأحبّها له! وأقواها على أمر الله! فاختاروا أبا بكر ، وكان ذلك رأي ذوي الحجى والدين والفضيلة والناظرين للامة ، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ، ولم يكونوا بمتّهمين ولا فيما أتوا بمخطئين! ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه أو يذبّ عن حريم المسلمين ذبّه ؛ ما عدلوا بذلك الأمر إلى غيره رغبة عنه! ولكنّهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله! فالله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيرا!
وقد فهمت الذي دعوتني إليه من «الصلح» فالحال بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، ولو علمت أنك أضبط منّي للرعيّة ، وأحوط عني في هذه الأمة ، وأحسن سياسة ، وأقوى على جمع الأموال! وأكيد للعدوّ ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ، ورأيتك لذلك أهلا! ولكنّي قد علمت أني أطول منك ولاية ، وأقدم منك لهذه الأمة تجربة! وأكثر سياسة! وأكبر منك سنّا! فأنت أحقّ أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني! فادخل في طاعتي! ولك الأمر من بعدي! ولك ما في بيت مال العراق من مال بلغ ما بلغ! تحمله إلى حيث شئت! ولك خراج أيّ كور العراق شئت معونة لك على نفقتك ، يجبيها لك أمينك ويحملها إليك في كلّ سنة! ولك أن لا يستولى عليك بالإساءة ، ولا تقضى دونك الأمور ، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله عزوجل! أعاننا الله وإياك على طاعته ، إنه سميع مجيب الدعاء ، والسلام».
__________________
(١) وهذه من البوادر الأولى لادّعاء سبق إسلام أبي بكر.