فسكتوا وما تكلم منهم أحد ولا أجابه أحدهم بحرف!
فلما رأى ذلك عديّ بن حاتم الطائي قام فقال : أنا ابن حاتم ، سبحان الله! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم! أين المسلمون؟! أين خطباء مضر؟ أين الخوّاضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدّعة فإن جدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب! أما تخافون مقت الله؟! ولا عيبها وعارها!
ثمّ التفت إلى الإمام عليهالسلام وقال له : أصاب الله بك المراشد ، وجنّبك المكاره ، ووفقك لما يحمد ورده وصدره ، فقد سمعنا مقالتك ، وانتهينا إلى أمرك ، وسمعنا منك وأطعناك فيما قلت وما رأيت. ثمّ قال : وهذا وجهي إلى معسكري ، فمن أحبّ أن يوافيني فليواف ....
فقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، ومعقل بن قيس الرياحي ، وزياد بن خصفة التيمي ، فأنّبوا الناس وحرّضوهم ، وكلّموا الإمام بمثل كلام عديّ بن حاتم بالقبول والإجابة لأمره. وقال لهم الإمام عليهالسلام : صدقتم ـ رحمكم الله ـ ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء بالقول ، والمودّة الصحيحة ، فجزاكم الله خيرا! ثمّ نزل. وخرج عديّ من المسجد ودابّته مع غلامه بالباب ، فركبها وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلح له ، ومضى إلى النخيلة ، فكان هو أول من عسكر من الناس.
وبعث الإمام حجر بن عدي إلى عمّاله ليأمرهم والناس بالتهيّؤ للمسير للشام (١) حتّى يمرّ بهم.
وكأنّ ما كان ، قد أشغل الإمام عن أمر موسم الحجّ لتلك السنة ، وكان المغيرة بن شعبة الثقفي قد اعتزل في الطائف ، وغلب على ظنّه غلبة معاوية
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٣٩ ، ومختصره في أنساب الأشراف للبلاذري ٣ : ٣٥ ، وأشار إليه المفيد فى الإرشاد ٢ : ١٠ ، ومختصره في تنزيه الأنبياء : ١٧٠ ، وتلخيص الشافي ٤ : ١٧٤.