«الحمد لله بكل ما حمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلّا الله كلّما شهد له شاهد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحقّ ائتمنه على الوحي صلىاللهعليهوآله.
أما بعد ، فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت ـ بحمد الله ومنّه ـ وأنا أنصح خلق الله لخلقه ، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ، ولا مريدا له بسوء ولا غائلة.
ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة! ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ، ولا تردّوا عليّ رأيي! غفر الله لي ولكم ، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبّة والرضا» (١) وسكت ونزل.
فنظر الناس بعضهم إلى بعض وتساءلوا فيما بينهم : ما ترونه يريد بما قال؟ وانتهى كثير منهم إلى أنه يريد أن يصالح معاوية ويسلّم الأمر إليه ، ورأوا رأي الخوارج أنها كبيرة ، وأن مرتكب الكبيرة كافر ، فهو كافر ، ولا حرمة لكافر!
وكان الإمام راجعا إلى فسطاطه جالسا على مصلّاه إذ شدّ جمع منهم على فسطاطه فانتهبوه ، وشدّ عليه منهم عبد الرحمن الأزدي فنزع مطرفه عن ظهره ، وسحبوا مصلّاه من تحته وتركوه بلا رداء! ففزع إليه طوائف من خاصته و «شيعته» فقال لهم : ادعوا لي ربيعة وهمدان ، فدعوهم له فأطافوا به ، فدعا بفرسه أو بغلته فركبها وسار إلى مظلم (مظلّة ـ سقيفة ـ إيوان) ساباط ، وكان قد كمن له هناك الجرّاح بن سنان الأسدي معدّا له مغولا (خنجرا) بيده ، فلما مرّ به الإمام قام إليه وأخذ بلجام بغلته ورفع بيده مغوله وصرخته : الله أكبر ، أشركت ـ يا حسن ـ كما أشرك أبوك من قبل! ثمّ طعنه في فخذه فشقّه حتّى بلغ العظم ، فاعتنقه الحسن عليهالسلام وخرّا جميعا إلى الأرض ، فوثب إليه عبد الله بن خطل الطائي وانتزع المغول من يده
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ١١ ، ولعلّه عن مقاتل الطالبيين : ٤٠ ـ ٤١.