فقال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما! أفسلمتم الأمر إلى ولده؟! فقال معاوية : إن عمر قتله مشرك. فقال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟ قال : المسلمون! قال : فذلك أدحض لحجّتك أن كان المسلمون خذلوه وقتلوه! فبهت معاوية فصرف القول وقال :
يا ابن عباس ، فإنا قد كتبنا إلى الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته! فكفّ لسانك وأربع على نفسك! فقال ابن عباس : أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : لا ، قال : أفتنهانا عن تأويله (أي تفسيره وتطبيقه) قال : نعم! قال : فنقرأه ولا نسأل عن ما عنى به الله؟ قال : نعم! قال : فأيهما أوجب علينا : قراءته أو العمل به؟ قال : العمل به! قال : فكيف نعمل به حتّى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟ قال : سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك! قال : فإنّما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان؟! أو أسأل عنه آل أبي معيط؟ أو اليهود والنصارى؟! قال معاوية : فقد عدلتنا بهم وصيّرتنا منهم! قال : لعمري ما أعدلك بهم ، ولكنّك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ أو عام أو خاص أو محكم أو متشابه! وإن لم تسأل الأمة عن ذلك اختلفوا وتاهوا وهلكوا! قال معاوية : فاقرءوا القرآن ولا ترووا شيئا فيما أنزل الله فيكم وما قاله رسول الله فيكم (منع التحديث بالحديث) وارووا ما سوى ذلك! فتلا ابن عباس قوله سبحانه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(١).
فقال معاوية : يا ابن عباس اكفني نفسك وكفّ عني لسانك! فإن كنت فاعلا فليكن ذلك سرّا ولا يسمعه أحد منك علانية! ثمّ بعث إليه بخمسين ألف درهم (٢)!
__________________
(١) التوبة : ٣٢. وللتفصيل في منع الحديث انظر : تاريخ تدوين الحديث حتّى عهد معاوية.
(٢) سليم بن قيس ٢ : ٧٨٢ ـ ٧٨٤ ، الحديث ٢٦. وتخريجه في ٣ : ٩٨٨.