ثمّ إنّ الله سبحانه اختصّ محمدا عليهالسلام بأصحاب أيّدوه ، وآزروه ونصروه ، كما قال الله لهم : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١) فكان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة : الخليفة الأول ، الذي جمع الكلمة ولمّ الدّعوة وقاتل أهل الردّة. ثمّ الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ومصرّ الأمصار وأذلّ رقاب المشركين. ثمّ الخليفة الثالث المظلوم! الذي نشر الملّة وطبّق الآفاق بالكلمة الحنيفية.
فلما استوثق الإسلام وضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل ونصبت له المكايد ، وضربت له بطن الأمر وظهره ، ودسست عليه وأغريت به ، وقعدت عن نصره حيث استنصرك وسألك أن تدركه قبل أن يمزّق فما أدركته! وما يوم المسلمين منك بواحد!
لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ورأمت إفساد أمره ، وقعدت في بيتك ، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخّروا عن بيعته. ثمّ كرهت خلافة عمر وحسدته ، واستطلت مدّته ، وسررت بقتله وأظهرت الشماتة بمصابه! حتّى إنّك حاولت قتل ولده ؛ لأنّه قتل قاتل أبيه! ثمّ لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمّك عثمان : نشرت مقابحه ، وطويت محاسنه ، وطعنت في فقهه ثمّ في دينه ثمّ في سيرته ثمّ في عقله! وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك حتى قتلوه بمحضر منك لا تدفع عنه بلسان ولا يد! وما من هؤلاء إلّا من بغيت عليه وتلكّأت في بيعته حتّى حملت إليه قهرا تساق بخزائم الإقتار كما يساق الفحل المخشوش (٢)!
ثمّ نهضت الآن تطلب الخلافة ـ وقتلة عثمان خلصاؤك وشجراؤك والمحدقون بك ـ وتلك من أماني النفوس وضلالات الأهواء! فدع اللجاج والعبث جانبا وادفع
__________________
(١) الفتح : ٢٩.
(٢) الفحل : الإبل الذكر ، والمخشوش : الذي ادخل عود في خشمه لقيادته.