وعلى أي حال فقد نقل الخزّاز القمّي الرازي في «كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر» بسنده عنه قال : دخلت على الحسن بن علي في مرضه الذي توفّي فيه وبين يديه طست يقذف فيه الدم قطعة قطعة من السمّ الذي سقاه معاوية ، فقلت له : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال : يا عبد الله بما ذا اعالج الموت؟! ثمّ التفت إليّ فقال : والله لقد عهد إلينا رسول الله صلىاللهعليهوآله : أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد عليّ وفاطمة ، ما منّا إلّا مسموم أو مقتول! ثمّ رفع الطست ، وبكى ، فقلت له : عظني يا ابن رسول الله.
قال : نعم ، استعدّ لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه. واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلّا كنت فيه خازنا لغيرك!
واعلم أن في حلالها حسابا ، وفي حرامها عقابا وفي الشبهات عتابا. فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة! خذ منها ما يكفيك ، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها ، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر إذا أخذت كما أخذت من الميتة ، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير.
واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ، وإذا أردت عزّا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزوجل.
وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك ، وإذا أردت منه معونة أعانك ، وإن قلت صدّق قولك ، وإن صلت شدّ صولتك ، وإن مددت يدك بفضل مدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإن سألته أعطاك وإن سكتّ عنه ابتداك ، وإن نزلت بك إحدى الملمّات ساءه. من لا تأتيك منه البوائق ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق ، وإن تنازعتما منقسما آثرك.