وأنتم أعلم الناس بحلاله وحرامه ، فاستغنوا بما علّمتم ، واحذروا ما حذّركم الله من الشيطان ، وارغبوا فيما أنا لكم من الأجر والكرامة ، واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته ، والمغرور من آثر الضلالة على الهدى ، فلا أعرف أحدا تقاعس عنّي وقال : في غيري كفاية! «فمن لا يذد عن حوضه يتهدم».
ثمّ إني آمركم بالشدّة في الأمر والجهاد في سبيل الله ... وانتظروا النصر العاجل من الله ، إن شاء الله (١).
«عباد الله ، اتّقوا الله وأطيعوه ، وأطيعوا إمامكم ، فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل ، ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر!
وقد أصبح معاوية غاصبا لما في يديه من حقّي ناكثا لبيعتي ، طاعنا في دين الله عزوجل.
أيها المسلمون ؛ وقد علمتم ما فعل الناس بالأمس : جئتموني راغبين إليّ في أمركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني ، فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم! فراددتموني القول مرارا وراددتكموه ، وتكأكأتم عليّ تكأكؤ الإبل على حياضها ، حرصا على بيعتي ، حتّى خفت أن يقتل بعضكم بعضا! فلما رأيت ذلك منكم تروّيت في أمري وأمركم فقلت : إن أنا لم اجبهم في القيام بأمرهم ، لم يصيبوا أحدا منهم يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي. وقلت : لألينّهم وهم يعرفون حقّي وفضلي أحبّ إليّ من أن يلوني وهم لا يعرفون حقّي وفضلي ، فبسطت لكم يدي فبايعتموني ... وفيكم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان ، وأخذت عليكم عهد بيعتي وواجب صفقتي عهد الله وميثاقه ، وأشدّ ما اخذ على النبيين من عهد وميثاق : لتفنّ لي ولتسمعنّ لأمري ولتطيعوني وتناصحوني وتقاتلون معي كلّ باغ عليّ أو مارق. فأنعمتم لي
__________________
(١) وقعة صفين : ١١٢ و ١١٣.