لو كانوا يريدون الله أو يعملون له ما خالفونا ، ولكن القوم إنّما يقاتلوننا فرارا من الأسوة (التسوية في العطاء) وحبّا للأثرة (التفضيل فيه) وضنّا (وبخلا) بسلطانهم ، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم ، وعلى إحن (وحقد) في أنفسهم ، وعداوة يجدونها في صدورهم ، لوقائع قديمة أوقعتها بهم قتلت فيها آباءهم وإخوانهم.
ثمّ التفت إلى الناس وقال لهم : فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد وجدّه عتبة في موقف واحد؟! والله ... لن يستقيموا لكم دون أن تكسّر فيهم الرماح ، وتقطّع السيوف على هاماتهم ، وتنتثر بعمد الحديد حواجبهم ، وتكون بين الفريقين امور جمّة (١).
فقال له زياد بن النضر الحارثي الهمداني : إنّ يومنا ويومهم ليوم عصيب! ما يصبر عليه إلّا كل رابط الجأش الشجاع صادق النية! وما أظن أن يبقى ذلك اليوم منهم ومنّا إلّا الأراذل! فصدّقه ابن بديل الخزاعي!
فقال لهما الإمام عليهالسلام : ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع! إنّ الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين ، وكلّ آتيه منيّته كما كتب الله له ، فطوبى للمجاهدين في سبيل الله المقتولين في طاعته!
فلما سمع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المرقال ما قال ، قال : يا أمير المؤمنين ، سر بنا إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم ، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله ، فأحلّوا حرامه وحرّموا حلاله ، واستهواهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومنّاهم الأماني ، حتّى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردّي ، وحبّب إليهم الدنيا ، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها ، كرغبتنا في الآخرة لإنجاز موعود ربّنا.
__________________
(١) وقعة صفين : ١٠١ ، ١٠٢.