وكأنّ شريحا بن هانئ لم يهنأ له ذلك بل رأى من زياد زيادة في كبره وخيلائه وعجبه بنفسه وزهوه قولا وفعلا ، فأخذ يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة ولا يقرب من زياد. فكتب زياد بذلك إلى علي عليهالسلام :
لعبد الله علي أمير المؤمنين من زياد بن النضر ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ، أما بعد ، فإنك ولّيتني أمر الناس ، وإنّ شريحا لا يرى لي عليه حقا ولا طاعة ، وذلك استخفاف بأمرك وترك لعهدك ، والسلام.
وبعث به مع مولى له يقال له شوذب. وكأنّ شريحا عرف ذلك فكتب إليه عليهالسلام :
سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ، أما بعد ، فإنّ زياد بن النضر حين أشركته في أمرك وولّيته جندا من جنودك ، تنكّر واستكبر ومال به العجب والخيلاء والزّهو ، إلى ما لا يرضاه الربّ تبارك وتعالى من القول والفعل ، فإنّ رأى أمير المؤمنين أن يعزله عنّا ويبعث مكانه من يحبّ فليفعل ، فإنّا له كارهون! والسلام.
فكتب علي عليهالسلام إليهما كتابا واحدا فيه بعد البسملة : «من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر وشريح بن هانئ ، سلام عليكما ، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلّا هو. أما بعد ، فإني قد ولّيت مقدّمتي زياد بن النضر وأمّرته عليها ، وشريح أمير على طائفة منها ، فإن افترقتما فكل واحد منكما أمير الطائفة التي ولّيناه أمرها ، وإن جمعكما بأس (حرب) فعلى الناس زياد بن النضر.
واعلما أن مقدّمة القوم عيونهم ، وعيون المقدّمة طلائعهم ، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلا تسأما من توجيه الطلائع ، ومن نفض الشعاب والشجر والخمر من كل جانب ، كي لا يغترّكما عدوّ أو يكون لكم كمين ، ولا تسيّرن الكتائب من لدن الصباح إلى المساء إلّا على تعبئة ، فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدّمتم في التعبئة.