وقد أمّرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ، ولم آلكم ولا نفسي ، فإياكم والتخلّف والتربّص ، فإني قد خلّفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته ألّا يترك متخلّفا إلّا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.
فقام إليه معقل بن قيس الرياحي التميمي وقال له : يا أمير المؤمنين ، والله لا يتخلّف عنك إلّا ظنين (متهم) ولا يتربّص بك إلّا منافق! فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلّفين!
فقال علي عليهالسلام : لقد أمرته بأمري وليس مقصّرا فيه إن شاء الله.
ثمّ دعا بدابّته فجيء إليه بها ، فلما وضع رجله في ركابها قال : بسم الله ، ولما جلس على ظهرها قرأ : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ)(١) ثمّ قرأ دعاء النبي صلىاللهعليهوآله : «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل». ثمّ قال : ولا يجمعهما غيرك فإن المستخلف لا يكون مستصحبا والمستصحب لا يكون مستخلفا.
فتقدم إليه مالك بن حبيب وأخذ بعنان دابّته وقال له : يا أمير المؤمنين ، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلّفني في حشر الرجال؟
فقال عليهالسلام : أنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم عمّا لو كنت معهم ، وهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلّا كنت شريكهم فيه! فقال : سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين.
ثمّ خرج حتّى قطع النهر (وزالت الشمس) فأمر مناديه فنادى بالصلاة ، فتقدم فصلى الظهر ركعتين ، ثمّ أقبل على الناس وقال لهم : أيها الناس ، ألا من كان مقيما أو مشيّعا فليتمّ الصلاة ، فإنا قوم على سفر ، ومن صحبنا فلا يصم المفروض ، والصلاة المفروضة ركعتان.
__________________
(١) سورة الزخرف : ١٣ ـ ١٤.