فلما قاربهم جند الإمام ضمّوا سفنهم من الفرات إلى حصنهم وتحصّنوا وغلقوا أبوابه!
فنزل الإمام عليهالسلام بجانب الفرات بمكان كان يقال له : البليخ. وكانت فيه صومعة لراهب هناك ، فنزل الراهب من صومعته إليه ومعه كتاب قديم قال : إنه توارثه من آبائه عن أصحاب عيسى عليهالسلام فعرضه على الإمام عليهالسلام وفيه : «إن الله سطّر فيما سطّر أنه باعث في الاميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ... فإذا توافاه الله اختلفت امته ... فيمرّ رجل من امته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحقّ ولا يرتشي في الحكم ، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظّماء! يخاف الله في السرّ وينصح له في العلانية ولا يخاف فيه لومة لائم! فمن أدرك ذلك النبيّ من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة! ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة».
فبكى علي عليهالسلام وقال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيّا ، والحمد لله الذي ذكرني في كتب الأبرار. وصدّق به الراهب وأسلم وآمن وقال له : فأنا مصاحبك حتّى يصيبني ما يصيبك! فكان طعامه مع علي عليهالسلام (١).
ولما أبى أهل الرّقة أن يجسروا لعلي عليهالسلام ليعبر إلى الشام ناداهم الأشتر :
__________________
(١) وقعة صفين : ١٤٧ ، ١٤٨ بسنده عن حبّة بن جوين العرني الكوفي ، ولروايته هذا الخبر قال فيه ابن حجر : كان غاليا في التشيع ، كما في تقريب التهذيب. وتمام الخبر : إنه كان مع علي عليهالسلام حتى قتل في صفّين فطلبه حتّى وجده فصلّى عليه واستغفر له ودفنه وقال : هو منا أهل البيت! ونحوه في شرح الأخبار ٢ : ٣٦٧ ـ ٣٦٩ ، ومناقب الحلبي ٢ : ٢٨٩ عن أمالي الشيباني وأعلام النبوة للماوردي.