وكتب مع الرسول إليهما : «أما بعد ، فإني قد أمّرت عليكما مالكا فاسمعا له وأطيعا أمره ، فإنّه ممّن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (في الكلام) ولا بطؤه عن ما الإسراع إليه أحزم ، ولا الإسراع إلى ما البطء عنه أمثل ، وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما : أن لا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم إن شاء الله».
فخرج الأشتر (بأربعة آلاف) حتّى قدم على القوم (فكانوا ستة عشر ألفا) وتواقفوا حتّى كان قرب المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فاضطربوا ساعة ثم انصرف أهل الشام. ثمّ خرج هاشم بن عتبة المرقال الزهري في عدد ذوي عدّة حسنة ، فخرج إليهم السلمي فتحاملوا وقاوموا ثمّ انصرفوا ، وباتوا ليلتهم تلك.
ثمّ بكّر عليهم الأشتر وهو ينادي : ويحكم أروني أبا الأعور ، ولم يتقدم أبو الأعور إليه ، وتقدم فارس منهم هو عبد الله بن المنذر التنوخي ، فقاتله فتى حديث السنّ هو ظبيان بن عمارة التميمي فقتل الفارس التنوخي.
ثمّ إنّ أبا الأعور صعد بأصحابه إلى تلّ من وراء مكانهم أمس ، فأرسل الأشتر إليه سنان بن مالك النخعي ليدعوه إلى مبارزته ، فناداهم : أمّنوني فإني رسول. فأمّنوه حتّى انتهى إلى أبي الأعور وقال له : إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته! فسكت طويلا ثمّ أبى. ثمّ تواقفوا حتّى الليل وباتوا متحارسين ، فما أصبحوا إلّا والشاميون قد انصرفوا إلى سهولة من الأرض وسعة المنزل وشريعة الماء ، وصبّحهم الإمام عليهالسلام في الصباح الباكر (١) ، وكان في مائة ألف أو يزيدون (٢).
__________________
(١) وقعة صفين : ١٥٤ ـ ١٥٦. وفي أنساب الأشراف ٢ : ٢٩٩ : كان نزوله بها لليال بقين من ذي الحجة ، ولا يستقيم هذا ، بل لأكثر من عشرة بقين من ذي القعدة ، حيث تناوشوا القتال بالمبارزات لأربعين يوما قبل المحرم ، كما في اليعقوبي ٢ : ١١٨ والخلفاء لابن قتيبة : ١٠٦.
(٢) وقعة صفين : ١٥٧ ، وفي : ١٥٦ : مائة وخمسين ألفا.