فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبائي ، وأوليائي ، وحججي على خلقي ، وأئمتي على بريتي ، ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم ، لهم ولمن تولاهم خلقت جنتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ، فمن ادعى منزلتهم ومحلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وجعلته من المشركين ، في أسفل درك من ناري ، ومن أقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي حططته (٤) معهم في روضات جناتي ، وكان لهم (٥) ما يشاءون عندي ، وأبحتهم كرامتي ، وأحللتهم جواري ، وشفعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي ، فأيكم يحملها بأثقالها ، ويدعيها لنفسه دون خيرتي؟ فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ، وأشفقن من ادعاء منزلتها ، وتمني محلها من عظمة ربها.
فلما أسكن الله عز وجل آدم وزوجته الجنة ، قال لهما : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) يعني شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهمالسلام فوجداها أشرف منازل الجنة. فقالا : يا ربنا ، لمن هذه المنزلة؟
فقال الله جل جلاله : ارفعا رءوسكما إلى ساق العرش. فرفعا رؤوسهما فوجدا أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (صلوات الله عليهم) مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الله الجبار جل جلاله.
فقالا : يا ربنا ، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! وما أحبهم إليك! وما أشرفهم لديك! فقال الله جل جلاله : لولاهم ما خلقتكما ، هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سري ، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد ، وتتمنيا منزلتهم عندي ، ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين.
قالا : ربنا ، ومن الظالمون؟ قال : المدعون لمنزلتهم بغير حق.
قالا : ربنا ، فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك ؛ فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من أنواع النكال (٦) والعذاب.
وقال الله عز وجل : مكان الظالمين لهم المنزلين (٧) لمنزلتهم في أسفل درك منها (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) (٨) و (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٩).
يا آدم ، ويا حواء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد ، فأهبطكما من جواري ، وأحل بكما هواني.
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ
__________________
(٤) في المصدر : جعلته.
(٥) في المصدر زيادة : فيها.
(٦) النكال : العقوبة. «مجمع البحرين ـ نكل ـ ٥ : ٤٨٦» ، وفي المصدر : ألوان النكال.
(٧) في المصدر : المدعين.
(٨) الحج ٢٢ : ٢٢.
(٩) النساء ٤ : ٥٦.