أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ) (١٠) ، وحملهما على تمني منزلتهم ، فنظرا إليهم بعين الحسد ، فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه ، وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما ، وبقيا عريانين (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ * قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١١) ، قال : اهبطا من جواري ، فلا يجاورني في جنتي من يعصيني ، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.
فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل عليهالسلام ، فقال لهما : إنكما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما ، فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه ، فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتماها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.
فقالا : اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك : محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، والأئمة عليهمالسلام إلا تبت علينا ورحمتنا ، فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم.
فلم يزل أنبياء الله يحفظون هذه الأمانة ، ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ، ويشفقون من ادعائها ، وحملها (١٢) الذي قد عرفت ، فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة ، وذلك قول الله عز وجل : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (١٣)».
٤١٠ / ١٢ ـ عنه ، قال : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضياللهعنه قال : حدثني أبي ، عن حمدان بن سليمان ، عن علي بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهالسلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ فقال : «بلى». قال : فما معنى قول الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١)؟! قال عليهالسلام : «إن الله تعالى قال لآدم عليهالسلام : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ـ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ـ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ، ولا مما كان من جنسها.
__________________
(١) الأعراف ٧ : ٢٠ ـ ٢٢.
(٢) الأعراف ٧ : ٢٢ و ٢٣.
(٣) في المصدر زيادة : الإنسان.
(٤) الأحزاب ٣٣ : ٧٢.
١٢ ـ عيون أخبار ١ : ١٩٥ / ١.
(١) طه ٢٠ : ١٢١.