فلم يقربا تلك الشجرة ، وإنما أكلا من غيرها ، لما أن وسوس الشيطان إليهما ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) (٢) وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٣). ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا (فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ) (٤) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله.
وكان ذلك من آدم قبل النبوة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار ، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا ، كان معصوما ، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، وقال الله عز وجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٥) وقال عز وجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٦)».
٤١١ / ١٣ ـ وعنه ، قال : حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رحمهالله ، قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا عليهالسلام : يا ابن رسول الله ، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ، ما كانت ، فقد اختلف الناس فيها ؛ فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد؟ فقال عليهالسلام : «كل ذلك حق».
قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال : «يا أبا الصلت (١) ، إن شجرة الجنة تحمل أنواعا ؛ وكان شجرة الحنطة وفيها عنب ، وليست كشجر (٢) الدنيا ، وإن آدم عليهالسلام لما أكرمه الله تعالى ذكره ، بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنة ، قال في نفسه : هل خلق الله بشرا أفضل مني؟
فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسك ـ يا آدم ـ فانظر إلى ساق عرشي ؛ فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش ، فوجد عليه مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال آدم عليهالسلام : يا رب ، من هؤلاء؟
فقال عز وجل : يا آدم ، هؤلاء من ذريتك ، وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتك ، ولا خلقت الجنة ولا النار ، ولا السماء ، ولا الأرض ، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري.
فنظر إليهم بعين الحسد ، وتمنى منزلتهم ، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها ،
__________________
(٢) الأعراف ٧ : ٢٠.
(٣) الأعراف ٧ : ٢٠ و ٢١.
(٤) الأعراف ٧ : ٢٢.
(٥) طه ٢٠ : ١٢١ و ١٢٢.
(٦) آل عمران ٣ : ٣٣.
١٣ ـ عيون أخبار الرّضا عليهالسلام ١ : ٣٠٦ / ٦٧.
(١) في «س» و «ط» : يا ابن الصّلت ، وهو تصحيف ، وأبو الصّلت كنية عبد السّلام ، راجع النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٣ ، رجال الطوسي ٣٨٠ / ١٤.
(٢) في المصدر : كشجرة.